للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[منهج أهل السنة والرحمة بالخلق]

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

أما بعد: فعن أرحم الخلق بالخلق حديثنا هذه الليلة ليلة ١٣ من شهر ذي القعدة عام ١٤١٥ للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.

أيها الإخوة الكرام! في وسط هذا العالم الذي يموج بالبعد عن الله سبحانه وتعالى وعن شرعه، ويموج بالبدعة والإعراض عن الله سبحانه وتعالى، تتعالى صيحات الإنقاذ ودعوات النهوض بهذه الأمة، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولن يقوم بهذا الدين إلا تلك الطائفة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب لها النجاة حين هلكت سائر الفرق والطوائف وكتب لها النصرة: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم).

وكان لابد من الحديث والمناداة بإحياء منهج خير القرون، منهج أهل السنة والجماعة وسلف الأمة، ولا شك أن منهج أهل السنة ومنهج خير القرون أوسع دلالة وأعمق دائرة من أن يكون مجرد مقررات معرفية دون أن يكون لها رصيد من العمل والسلوك، إنه منهج أشمل من ذلك بكثير، فهو ليس ذاك المنهج الذي يعرف جانباً واحداً من جوانب التوحيد لله سبحانه وتعالى، أو لا يتحدث إلا في إطار المعرفة والجدل والإثبات النظري والنفي وحده فقط، بل هو أشمل من ذلك كله.

ومن الجوانب المهمة عند أهل السنة الجانب الخلقي والسلوكي، وما فتئ من صنف في معتقدهم مختصراً أو مفصلاً أن يشير إلى هذا البعد الأخلاقي والسلوكي ويصفهم بما هم أهل له من جوانب في الرقائق والسلوك أو الأخلاق أو المعتقد، ومن ذلك أن أهل السنة كما وصفوا أرحم الخلق بالخلق، وهذه محاولة متواضعة للحديث حول هذا الجانب.

إن العلم الأول والقائد الأوحد لأهل السنة هو محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فإن أولئك الذين يرغبون سلوك هذا المنهج ويدعون إليه لابد أن يكون لهم نسب وثيق من المحبة والتوقير له صلى الله عليه وسلم وإنزاله المنزلة التي أنزله الله إياها، ومن الاتباع له صلى الله عليه وسلم والبحث عن هديه وعن سنته وسلوكه لتقتفى آثارها، ولا يجوز بحال أن يطغى علم من أعلام أهل السنة على جلالته وقدره، ولا أن يطغى صوته على صوت النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أن نحتكم إلى قوله أكثر مما نحتكم إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم وهديه.

ونحن جدير بنا في كل حال وآن أن نعود إلى هديه صلى الله عليه وسلم بقراءة متأنية دقيقة فاحصة لنلتمس من هديه صلى الله عليه وسلم وسنته معالم طريق النجاة التي أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لن ينجو إلا من كان على ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه.