للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدفاع عن واقع المجتمع]

أول أسلوب نمارسه للتخلص من المسئولية هو الدفاع عن واقع المجتمع.

نحن عندما نطالب الناس بأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، وأن يتحملوا المسئولية تجاه هذا المجتمع فإن هذا فرع عن مقدمة أخرى اتفقنا عليها قبل، وهي أن واقع المجتمع واقع مخالف، فكيف تطالب الناس بالدعوة وواقع المجتمع واقع سليم؟ فالبعض يبدأ يناقشك في المقدمة أصلاً، يقول لك: يا أخي! واقع مجتمعنا واقع سليم، فلا داعي لهذا الحديث والمبالغة عن المشاكل التي يواجهها المجتمع، ولا داعي للمبالغة في الحديث عن الانحراف الموجود في صفوف المجتمع، وهي قضايا إما أنها قضايا تبالغون فيها أنتم أصلاً، أو أنها قضايا يمكن أن تحصل في أي مجتمع وقد وقعت في مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم، أليس في مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم -مثلاً- من وقع في الزنا؟! أليس في مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر؟ وهكذا يعطيك قائمة من تلك الحوادث التي كانت حوادث فردية وقعت في مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم، أو في مجتمع الخلفاء الراشدين، حتى يقول لك: إنها الصورة نفسها، قد يكون حجم هذه الحوادث وحجم هذه المخالفات في مجتمعنا أكثر، لكن هذا لا يُخرج مجتمعاً عن كونه مجتمعاً واقعاً في وضع سليم.

قضية لا يمكن أن نتفق عليها، يعني أنت تقول: إن واقع المجتمع واقع سليم، وأنا أقول: واقع غير سليم! لا يمكن أن نصل إلى نتيجة بمثل هذا الأسلوب، لكن نريد أن نطرح السؤال، نتأمل في واقع المجتمع قليلاً.

أولاً: قد أكون أنا أتحدث عن هذا الجانب باعتبار أنني أتعامل معه من خلال عملي في ميدان التعليم، أو من خلال عنايتي نوعاً ما بهذا الموضوع.

جانب الفساد الأخلاقي في أوساط الشباب، وانتشار الشذوذ والفساد قضية مزعجة، وأظن أن هذه وحدها كافية أن تعطينا صورة عن مدى الانحراف الموجود في المجتمع.

صورة عن بعد المجتمع عن الواقع الشرعي، وفي الواقع أنني أملك معلومات وقضايا موثقة لكنني أتردد كثيراً في عرضها؛ لأنني أعرف أنها مزعجة، وأعرف أن أثرها قد يكون على الكثير هو ردة الفعل، فالكثير عندما يُصدم بمثل هذه المعلومات، ييأس ويتصور أن القضية انتهت.

ونحن لا نتحدث من فراغ، ولا نتحدث من مبالغة، ولكني قادر أن أذكر لكم صورة واحدة من النماذج المتكررة والمزعجة من هذا الواقع إلا أنني لا أرى أن أذكر مثل هذه المعلومات التي قد يكون لها آثار سلبية، لكن يكفي أن أقول: إن هذا الواقع سيئ وواقع مؤلم، والذي لا يعلم ذلك فهو قد يكون بعيداً عنه، لكن الذي يعمل في قطاعات أمنية، يعمل في قطاعات لها علاقة بمخالفات الشباب وما يتعلق بها يدرك مصداق ما أقول.

الجانب الاقتصادي في حياتنا: والجانب الاقتصادي جزء أساسي من كيان الأمة، من كيان مجتمعنا، نحن نتحدث عن مجتمعنا الذي نجد الناس يدافعون عنه، أليست حياتنا الاقتصادية قائمة على الربا من أولها إلى آخرها على المستوى الفردي، وعلى المستوى الرسمي، وعلى المستوى العام في كافة الأمور، وأصدق دليل على ذلك أنك تذهب إلى أي قرية من القرى لا تجدها تخلو من بنك ربوي.

وليست المشكلة وجود بنك ربوي، أو بنوك تمارس الربا أو أن الربا أصبح أمراً له شرعية، لكن المشكلة أن الربا دخل في الحياة الاقتصادية فحياتنا الاقتصادية بكافة جوانبها قل أن تخلو من الربا، وحتى تعرف مصداق ذلك يمكن أن تتحدث مع كبار التجار لترى ذلك، فإنك عندما تذهب إلى أي محل تجاري لتشتري علبة ألبان، أو علبة مياه صحية، أو أي منتج صناعي، تشتريه وأنت لا يدور في بالك شيء، لكن هذا غالباً يكون قد دخله الربا، أما شركة الألبان مثلاً أو شركة المياه الصحية أو غيرها، فسيكون عندها فائض أموال ستودعه في البنك بفائدة.

وعندما تحتاج أحياناً سيولة ستقترض بفائدة.

وإذا سلمت مثلاً شركة الألبان من التعامل بالربا فشركة التغليف الذي تصنع العلب كذلك، وإذا سلمت هذه فالموزع، وهكذا قل ما تجد منتجاً أو سلعة إلا وقد دخلها الربا بصورة أو بأخرى.

أظن أنكم جميعاً تعرفون أن هذا لا يعني أننا نحرم مثل هذه الأمور، ولا أن الإنسان الذي يتعامل مع مثل هذه السلعة أو مع مثل هذه الشركة يتعامل بالربا، لكن حتى أصور لك أنه ليست القضية قضية وجود الربا! بل إن الربا أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا الاقتصادية، بل أصبحت وللأسف مجتمعاتنا تعتبر منافسة في القضايا الربوية، ولعل الفضائح الذي تخرج وما يتعلق بالبنوك العالمية، وتقرءون عنها كثيراً وتسمعون عنها.

خذ جانباً آخر كجانب المرأة وما فيه، وعلى كل حال فنحن لا نريد أن نسهب في الحديث عن الصور المؤلمة في مجتمعنا والتي يكفي جانب واحد منها ليعطينا قناعة أن مجتمعنا بحاجة إلى أن تتضافر الجهود لإعادته إلى الواقع الشرعي.

مرة أخرى نطرح هذا السؤال المحدد الذي نريد من كل رجل يدافع عن المجتمع أن يجيب عليه إجابة سيسأل عنها أمام الله سبحانه وتعالى: هل واقع المجتمع الآن يرضي الله أم لا؟ هل هذا هو الواقع الشرعي أم لا؟ ونحن لا نبالغ فنقول: نعم مجتمعنا مسلم، وفيه جوانب خيّرة، ولك