للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[احتقار الآخرين نتيجة القدرة على رؤية ما لا يرونه]

الآفة الثالثة: احتقار الآخرين نتيجة لأنه أصبح يستطيع النقد، وأصبح يستطيع اكتشاف الأخطاء، فيرى مثلاً: أن هذا الأستاذ عنده ضعف في الجانب العلمي، وذاكرة هذا الأستاذ غير مركزة، وهذا الأستاذ يخطئ في كذا وكذا، والمربي الفلاني عنده كذا وكذا، وهذا البرنامج عنده كذا وكذا، حينئذ نتيجة لنمو روح النقد عنده وانتقاده للآخرين يصبح يحتقر الآخرين، فيحتقر الأساتذة يحتقر المربين يحتقر الذين ينبغي أن يستفيد منهم، وحينما يبدأ بتقييم الآخرين واحتقارهم فلن يستفيد منهم، لن يستفيد من هذا المربي؛ لأنه يشعر أن هذه المربي عنده قصور، وأن هذا المربي لا يملك المقومات التي تؤهله للتربية أصلاً، فينمو عنده احتقار الآخرين، ومن هنا يجب أن نحرص على أن نربي مثل هذا النجيب على أن يتواضع، وعلى أن يستفيد ممن هو دونه، وعلى أن يستفيد من الآخرين، وعلى أن يعلم أنه لو أدرك ما لم يدركه غيره فهذا لا يعني أنه أصبح أفضل منه.

تقرءون مثلاً في القرآن قصة سليمان عليه السلام لما جاء الهدهد وسأله سليمان فقال له: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل:٢٢]، هذا الهدهد الآن أحاط بما لم يحط به سليمان، وعلم مسألة لم يعلمها سليمان، فهل يعني هذا أن الهدهد أصبح أعلم من سليمان عليه السلام؟! أبداً.

إذاً: فقد تستطيع أن تنتقد الآخرين وتكتشف عليهم أخطاء لكن هذا لا ينبغي بحال أن يقودك إلى احتقار الآخرين.

فيجب أن نحرص على أن يتربى هذا النجيب على أن يحترم الآخرين، وأن يوقر الآخرين، خاصة من يتربى على يديه ومن يتعلم منه، حتى ولو شعر بأن عنده قصوراً، أو ضعفاً، لكن هذا القصور وهذا الضعف لا يجعله إنساناً غير مؤهل بأن يستفيد منه، لا يمكن أبداً، فلا ينبغي للشاب النجيب أن يقول: هذا إنسان غير مؤهل أصلاً لنستفيد منه، وغير مؤهل أن نتلقى منه التربية، بل عليه أن يحدث نفسه: إنني مهما بلغت من الذكاء والإدراك فإنه يبقى بعد ذلك يملك قدراً من الخبرة والرصيد يستطيع أن يفيدني به.