للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إهمال الشاب النجيب في تطوير نفسه وتحسين مستواه العلمي]

الآفة الخامسة: عدم العناية بنفسه؛ لأنه يشعر أنه لا يحتاج للتربية، ولا يحتاج لأن يزيد تحصليه العلمي لأنه ما شاء الله يفوق الآخرين، وهو في الواقع عنده قدر من العلم والذكاء والنبوغ يؤهله لأن يكون مستوى استيعابه أكثر، فيستوعب مثلاً ما لا يستوعب الآخرون، قد تكون ذاكرته أقدر على الاحتفاظ بكم هائل من المعلومات لا يحتفظ به الآخرون، فذاكرته أقوى، وحفظه أقوى، وقدرته على حل المشكلات أقوى، المهم أنه يملك مؤهلات لا يملكها الآخرون، فحينما يقارن بينه وبين أقرانه يتصور أنه قطع مرحلة جيدة في العلم، وقطع مرحلة جيدة في شتى الجوانب فيكون بذلك غير محتاج إلى أن يربي نفسه، ولا إلى أن يعتني بنفسه، بينما هو في واقع الحال يكون أحوج ما يكون إلى ذلك؛ لأن مثل هذا الشخص هو بحاجة إلى أن يكون أكثر تحصيلاً أصلاً من أولئك؛ لأنه سيصل إلى منزلة لن يصلها أولئك، وسيتحمل مسئولية لن يتحملها أولئك، فهو بحاجة إلى أن يكون فوق تحصيلهم بمراحل، وفوق إدراكهم بمراحل، لا يمكن له أن يقيس نفسه بأقرانه؛ لأنه سيصبح بعد ذلك مؤهلاً لأن يوجه أقرانه ويربيهم، وسيصبح مؤهلاً لأن يوجه الأمة ويربي الأمة، وحينئذ فالمطلوب منه تحصيلاً أكثر، والمطلوب منه تفوقاً أكثر، فهو أحوج ما يكون إلى مزيد من التحصيل ومزيد من العناية بالنفس.

أقول: هو أحوج ما يكون إلى ذلك، ومن هنا يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم حين ننظر في الدين أن ننظر إلى من هو فوقنا، فإذا نظر أحدنا في مسائل الدين والخلق عليه أن ينظر إلى من هو فوقه، وإذا نظر في الدنيا ومتاعها فعليه أن ينظر إلى من هو دونه، ولعل من حلول هذه المشكلة: أن يربط مثل هذا الشاب بالنماذج العالية، فمثلاً: يطلب منه أن يقرأ ترجمة أحد العلماء أو أحد المتقدمين أو أحد كبار الصحابة ليرى أن هذا في سنه وبلغ منزلة عالية، فحينئذ نرسم أمامه نموذجاً عالياً؛ لأنه الآن ينظر إلى أقرانه على أنهم نماذج أمامه، وليس فيهم مثل أعلى، فعندما نرفعه فنقول له: اقرأ التاريخ، واقرأ سير العلماء، واقرأ سير السابقين الذين بلغوا منزلة في كل شيء: في الجهاد في التقوى في العبادة في العلم في قيادة المجتمعات، فإذا قدمنا له مثل هذه النماذج يصبح أمامه مثل أعلى بعيد يشعر أن المسافة بعيدة بينه وبينه، وحينئذ يشعر بالقصور والضعف؛ ولهذا يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ننظر دائماً إلى من هو فوقنا في العلم والخلق؛ حتى نشعر بتقصيرنا وإهمالنا، فإذا نظر الإنسان إلى من هو دونه سيبقى ينزل وينزل؛ لأنه سيقول: أنا على الأقل لا أفعل لكبائر، وعندها سيأتي صاحب الكبائر فيقول: أنا أفعل الكبائر بصورة لكن أقل من فلان الذي يفعل أكبر الكبائر والموبقات، وسيأتي صاحب الموبقات فيقول: أنا أفضل من فلان لأني لا أقع في الشرك ولا زلت على الإسلام، وهكذا يتدرج الإنسان في النظر إلى من هو دونه حتى لا يصبح المنافس الوحيد له إلا الشيطان، أما إذا كان ينظر إلى من هو فوقه فهذا أحرى أن لا يزدري نعمة الله عز وجل عليه، وأحرى أن يعلم تقصيره وإهماله، فهذا الشاب بحاجة ماسة إلى أن يربط بالنماذج: شباب الصحابة، سير السابقين، النماذج الرائعة في العلم في الجهاد في التقوى في الصلاح في كافة جوانب النبوغ، وهذا أدعى له إلى أن يحتقر نفسه، وأدعى له إلى أن يشعر أنه بقي درجات ما وصل إليها إلى الآن.