للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السير وراء الشهوات]

السبب الثاني: وهو أيضاً لا يقل خطورة عن هذا السبب وخاصة في مرحلة الشباب فإنه يعتبر عاملاً أساسياً، بل الكثير من الحالات التي مرت علي، ومنذ فترة وأنا أنزعج وأظن كل واحد منكم ينزعج حين يرى مثل هذه الظاهرة، وعندما أكتشف مثل هذه المشكلة أحاول أن أعرف السبب؛ لأنها قضية تعنينا جميعاً، أولاً حتى نتجنبها وحتى نتناصح فيما بيننا وننصح إخواننا.

فالسبب الثاني هو: السير وراء الشهوة.

وخاصة في مرحلة الشباب، وخاصة في هذا العصر، حيث تفتحت الأبواب أمام الشباب بالشهوات، وتفنن الأعداء في صد الشباب عن دينهم وفي إثارة الغرائز، واستعملوا كل ما تفتقت عنه المدنية الحديثة وكل ما تفتق عنه العلم الحديث لإثارة هذه الغرائز.

الآن يا شباب هؤلاء الذين يصنعون الأفلام، والذين يجلبون لكم هذه الأفلام الساقطة التي يراها الكثير من الشباب، هل تتخيلون أنهم أناس يريدون المادة فقط، أم أن هناك أيادي ًتريد أن تفتك بهؤلاء الشباب؟ المجلات التي ترونها وللأسف حتى في محلات التموينات، هذه المجلة التي تراها مزينة بصورة المرأة الفاتنة؛ أتدري لم يصنع هؤلاء ذلك؟ الإعلانات التي تشاهد أحياناً في المجلات وفي التلفاز، عندما يراد الإعلان يؤتى بامرأة جميلة فاتنة لتقوم بالإعلان عن هذه السلعة.

فمن وراء ذلك؟ قد يكون فئة من المغفلين النفعيين الماديين الذين يريدون المال على حساب الأخلاق والقيم، ولكن أجزم أن هناك فئة كبيرة جداً يهمها دمار الشباب، يهمها إثارة الفتن وإثارة الغرائز.

فأقول: الشاب حين يكون حديث عهد بهذه المرحلة، والشهوة تتوقد لديه، ولم يتيسر أمامه الطريق الشرعي لصرف الشهوة فيما أحل الله عز وجل من الزواج، فالذي يحصل أن الشاب يقتنع بطريق الاستقامة ويسلك طريق الاستقامة ويذهب مع الناس الأخيار ويأتي معهم، ولكنه قد يأتي إلى البيت في يوم من الأيام فيجلس أمام التلفاز فيرى تلك الصورة الفاتنة، تلك المرأة فتفتنه تلك الصورة ويتعلق بها، ثم يتدرج به الأمر حتى يهوي عافانا الله وإياكم، وحتى يوقعه الشيطان في معصية وكبيرة من الكبائر، حينئذٍ يقول له الشيطان: لا أمل لك بعد ذلك في التوبة والرجوع أبداً، ويقوده بمجرد نظرة واحدة، أو بمجرد تعلق بشهوة محرمة واحدة، يقوده بعد ذلك إلى طريق الانحراف وطريق الضلال، وهي قضية خطيرة عندما يسترسل فيها أحد.

أي معصية قد يفعلها الإنسان وينتهي أثرها، لكن النظرة الحرام لا ينتهي أثرها، ليست القضية أنك عندما تنظر إلى تلك الفتاة أو إلى ذاك الغلام تكتب عليك سيئة وتنتهي، نعم هي سيئة تكتب عليك وستحاسب عليها، فإن شاء الله عفا عنك أو عاقبك، لكن لا تقف القضية عند هذا الحد، فإن هذه النظرة يعقبها ما بعدها، أنت تنظر النظرة ويزول أمامك هذا الذي نظرت إليه، ثم بعد فترة عندما تذهب للمنزل يبدأ الشيطان يحرك هذه الصورة في ذهنك، وتبدأ تتدرج القضية إلى تفكير، ثم يطول التفكير حتى يستولي على الشاب حتى يفكر في هذه الشهوة في صلاته وهو بين يدي الله عز وجل! ماذا بقي لله سبحانه وتعالى؟ تستولي عليه هذه الشهوة حتى يبدأ يفكر في تفريغ هذه الشهوة فيما حرم الله، فقد يقع أحياناً في العادة السرية، ثم وقوعه في هذه المعصية يسهل له ما بعدها، حتى تقوده إلى التهاون بالنظرة الأخرى، ثم بعد ذلك يتدرج به الأمر حتى يهوي عافانا الله وإياكم.

ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من النظر، ويوصي صاحبه وصهره علياً رضي الله عنه يقول: (لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الثانية)، {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:٣٠ - ٣١].

وإذا تبدت أمامك تلك الصورة التي قد تنال من قلبك شيئاً، فتذكر تلك الصورة التي لا يمكن أن تقارن أبداً بهذه الصورة، تذكر تلك التي لو اطلعت على أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت على أهل الأرض لملأت ما بينهما، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها).

وفي الحديث الآخر أيضاً: يقول صلى الله عليه وسلم: (أول زمرة يدخلون الجنة على هيئة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: لكل امرئ منهم زوجان من الحور العين يرى مخ ساقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب)، اختر أحد البديلين، واعلم أنك عندما تفتح أمامك أبواب الشهوات وأبواب النظرة الحرام، وتصرف نظرك لله سبحانه وتعالى، أن ذلك مهر تقدمه بعد ذلك للحور العين، ذاك النعيم الذي لا يمكن أن يزول ولا يمكن أن يحول أبداً.