للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التهاون بالمعاصي]

السبب الثالث: التهاون بالمعاصي.

الله سبحانه وتعالى حكى عن طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} [آل عمران:١٥٥]، هؤلاء فروا من الزحف، والفرار من الزحف ليس من الكبائر فحسب بل هو من السبع الموبقات، هؤلاء بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين فروا من الزحف في غزوة أحد، فما السبب؟ قال تعالى: {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} [آل عمران:١٥٥]، فبسبب بعض ذنوبهم وبعض سيئاتهم استزلهم الشيطان حتى أوقعهم في تلك الكبيرة، وماذا عسى أن تكون سيئات أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ في غزوة أحد قبل أن يعز الإسلام ما كان يدخل في الإسلام إلا الصادقون، ولا شك أن السابقين في الدخول للإسلام ليسوا مثل غيرهم، ومع ذلك لما فعلوا بعض السيئات تسلط عليهم الشيطان وأوقعهم في الفرار من الزحف، ولكن الله سبحانه وتعالى عفا عنهم كما في آخر الآية، فأنت عندما تتهاون بالمعصية الصغيرة تفعلها مرة أخرى، فيزول استقباح المعصية من نفسك، فتصبح تتجرأ على المعصية التي هي أكبر منها حتى تتجرأ على الكبائر، وتتجرأ على الفواحش، ثم تعرض بعد ذلك وتسير في طريق الغافلين.

ولذلك يحذر النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإن مثل ما تحقرون من أعمالكم كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء هذا بعود وذا بعود حتى أشعلوا نارهم وأنضجوا عشاءهم، وإن محقرات الذنوب متى ما يؤخذ بها المرء تهلكه)، يضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً بليغاً، مثل قوم جاءوا في واد وأرادوا أن ينضجوا عشاءهم، فما وجدوا حطباً، فجاء كل واحد بعود، ووضعوا هذه الأعواد فأشعلوا تلك النار، فتخيل تلك النار التي ستنتج نتيجة هذه الأعواد، ومن هذا المعنى يعظك أحد السلف قائلاً: خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى فالجبل عبارة عن حصيات صغيرة، لو جئنا الآن إلى جبل عظيم وفجرناه لتفتت إلى حجارة صغيرة جداً، فإذا جمعت هذه الحجارة فستكون كوماً هائلاً لا يمكن أن تتصوره.

ويخاطب النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة فيقول: (يا عائشة! إياك ومحقرات الأعمال، فإن لها من الله طالباً)، فالحذر الحذر معشر الشباب من المعاصي! وقلنا لكم في السبب الأول: إن من أهم الأسباب ضعف الإيمان، وقلنا لكم: إن هناك أموراً يزيد بها الإيمان وأموراً ينقص بها الإيمان، ومما ينقص الإيمان المعصية، وعندما يفعل الإنسان معصية يتجرأ على التي تليها، ثم يتجرأ على التي تليها حتى يتجرأ بعد ذلك على الكبائر والفواحش كما أسلفنا، ثم بعد ذلك يقول: إنني لا أستحق أصلاً أن أسير في طريق الصالحين، وأنا إنسان ملوث سيئ، وأنا إنسان منافق أظهر ما لا أبطن، ثم بعد ذلك ينحرف ويسير في طريق الضلال، عافانا الله وإياكم.