للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اتباع الصديق رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

ثم أما بعد: فأهلاً ومرحباً بكم في لقاء جديد نقلب فيه بعض الصفحات في تاريخ أعظم رجال الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، صفحات في تاريخ الصديق أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.

والحقيقة أني لا أخفي عليكم أني سعيد سعادة عظيمة جداً، وأنا أعد لهذه الحلقات وهذه المحاضرات أشعر بسعادة حقيقية لمعايشة الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وأشعر أن هذه المعايشة انتقلت من طور المعايشة على صفحات الكتب والمراجع إلى طور المعايشة الفعلية، وكأني أسير معه في شوارع مكة والمدينة، وكأني أصلي بجواره في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأني أسمعه وهو يأمر الأجناد ويسير الجيوش ويعلم الناس، وأتعجب إن كنت أنا أشعر بهذه السعادة بمجرد القراءة عنه، فكيف بمن كانوا يعيشون حقيقة معه رضي الله عنه وأرضاه؟ وإن كان أبو بكر كذلك فكيف بمعلمه ومرشده ومربيه محمد صلى الله عليه وسلم؟ يا إخوة! نحن محتاجون أن نعيش فعلاً مع كل دقيقة وكل لحظة وكل موقف من مواقف هؤلاء الأطهار، فكم سينير الطريق، وكم ستظهر الحقيقة وكم ستطمئن النفس! في الدرس السابق تحدثنا عن السمات المميزة لشخصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذكرنا أن هناك أموراً أربعة كانت تميز حياته رضي الله عنه، وذكرنا منها أمراً واحداً ولم نكمله بعد.

هذه السمة الأولى هي حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أحبه الصديق رضي الله عنه وأرضاه حباً صادقاً حقيقياً مقدماً على حب النفس والمال والولد والأهل والبلد وغير ذلك من الأمور، وذكرنا في الدرس السابق أن هذا الحب له علامات وله أدلة، وإلا ادعى كل الناس أنهم يحبون محمداً صلى الله عليه وسلم: الدليل الأول على هذا الحب هو: التصديق بكل ما قاله وأخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، التصديق الذي ليس فيه شك ولا تخالطه ريبة.

وقد تحدثنا عن هذا الأمر في الدرس السابق.

الدليل الثاني هو: الاتباع الكامل لكل ما أمر به صلى الله عليه وسلم، والعمل الدءوب وفق سنته صلى الله عليه وسلم، فالتصديق دون عمل نوع من العبث.

وما أجمل ما قاله الحسن البصري رحمه الله: ليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.

وهذا من كلام الحسن البصري، وبعض الناس يظن أنه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بحديث.

إنه كلام جميل جداً، فما وقر في القلب هو التصديق بما أخبر به صلى الله عليه وسلم، والاقتناع الكامل به.

(وصدقه العمل) هو الاتباع والاقتداء وفق التصديق الذي وقر في القلب.

وفي هذا الدرس نتحدث عن اتباع الصديق رضي الله عنه وأرضاه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف كان هذا الاتباع علامة واضحة على حبه رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧].

ويقول: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:٣١].

وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه يحب الله عز وجل حباً لا يوصف، ويحب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم حباً لا يقدر، ويعلم أن الطريق الطبيعية لحب الله هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم الاتباع المطلق، بمعنى: إن علم الحكمة فبها ونعمت، وإن لم يعلمها فالعمل هو العمل بنفس الحماسة وبنفس الطاقة.

وكثير من الناس يعرضون أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم على عقولهم القاصرة، فإن وجدت موافقة من عقولهم فعلوها، وإن لم توافق عقولهم أو أهواءهم تركوها ونبذوها، بل وقد يسخرون منها.

أما أبو بكر الصديق رضي الله عنه فلم يكن من هذا النوع، أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة، حتى إنك لتشعر أنه لا يفرق بين فرض ونافلة؛ لما كان عنده من التصاق شديد بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتصاق شديد بطريقته ومنهجه في الحياة، فإذا كنت تريد أن تصل إلى ما وصل إليه الصديق أبو بكر وأمثاله رضي الله عنهم أجمعين فاعلم أن قدر السنة عندهم كان عظيماً جداً، وليس المقصود بالسنة النوافل التي كا

<<  <  ج: ص:  >  >>