للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فتنة اختيار خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم]

وهناك فتنة ثالثة خطيرة: من من الرجال يجلس في كرسي الحكم مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن نبياً فقط، ولكن كان أيضاً حاكماً للمسلمين، فإن كانت النبوة قد ختمت به صلى الله عليه وسلم فالحكم لابد أن يستمر، فمن من الصحابة الكرام يكمل المسيرة ويحمل الراية؟ إنه أمر خطير وخطورته ليست في احتمال التكالب على السلطة والتنازع فيها كما يحدث في بلدان العالم المختلفة إذا مات قائد أو زعيم، كلا، ولكن الخطورة لاعتبارات خاصة جداً بهذه الفترة: أولاً: لا يجوز في الصحابة ولا في أهل الأرض جميعاً من يساوم أو يقترب في الفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي سيوضع في مكانه كحاكم لابد وأنه سيقارن به صلى الله عليه وسلم، وإذا حدثت المقارنة فإنها لا شك ستكون مقارنة ظالمة، فهذا رسول يوحى إليه من ربه وأدبه ربه، وهذا رجل يجتهد، قد يصيب وقد يخطئ.

ثانياً: من من الصحابة ستطيب نفسه أن يجلس في هذا المكان؟ الصحابة على خلاف أهل الأرض في زماننا أو في أي زمان، كانوا لا ينظرون إلى الإمارة على أنها تشريف وتعظيم أبداً، وإنما كانوا يعتبرونها تكليفاً وتبعة، وفضلاً عن أنهم لا تطيب نفوسهم بالحكم بدلاً من نبيهم فهم تعلموا منه صلى الله عليه وسلم أن يزهدوا في الإمارة ولا يطلبونها.

روى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! ألا تستعملنى؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال: يا أبا ذر! إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها).

فمن من الصحابة يضمن أن يأخذها بحقها؟ ومن منهم يعرض نفسه لحمل الأمانة؟ ومن يضع نفسه يوم القيامة موضع سؤال عن تبعات عظيمة من أجل الإمامة؟ ثالثاً: إذا كان ولابد أن يُختار رجل من الصحابة لهذا الأمر الجليل فمن يكون هذا الرجل؟ الصحابة جميعاً أعلام يقتدى بهم، وطاقاتهم عظيمة، وإمكانياتهم واسعة، والمؤهل ليكون حاكماً على الناس أو أميراً عليهم كثير، معظم الصحابة.

إذا نظرت إلى المهاجرين مثلاً فهناك الصديق أبو بكر رضي الله عنه وهناك الفاروق عمر، وهناك أمين الأمة أبو عبيدة، وهناك ذو النورين وزوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه، وهناك ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته علي، وهناك العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك سعد بن أبي وقاص خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك طلحة بن عبيد الله طلحة الخير، وهناك غيرهم كثير، كـ عبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد، وهناك شيوخ مكة الذين أسلموا في الفتح ولهم من الهيبة في قلوب العرب، كـ أبي سفيان وسهيل بن عمرو وغيرهم.

وإذا نظرت إلى الأنصار وجدت أيضاً فريقاً كبيراً من العظماء، وإن كانت الأسماء المطروحة للزعامة أقل من المهاجرين؛ لكون الأنصار من قبيلتين فقط: الأوس والخزرج، وكان زعيم الخزرج سعد بن عبادة من أقوى الأسماء المرشحة للخلافة.

أما من الأوس فهناك على سبيل المثال أسيد بن حضير سيد الأوس، وهناك عباد بن بشر من أكبر الأنصار، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ثلاثة من الأنصار لم يجاوزهم في الفضل أحد: سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر.

وسعد بن معاذ استشهد قبل ذلك بكثير، استشهد بعد أن أقر الله عينه من بني قريظة في سنة (٥) من الهجرة، وكل واحد من هذه الأسماء -سواء من المهاجرين أو من الأنصار- لا تنقصه الكفاءة ولا القدرة على القيادة، كذلك لا ينقص أحدهم التقوى، فمن يحمل الراية؟

<<  <  ج: ص:  >  >>