للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحكمة في كون حب المال فطرة في الإنسان]

حب المال متغلغل تماماً في النفس البشرية، مسيطر تماماً على جنباتها، لماذا يا إخوة؟! لماذا يخلق الله جلت قدرته وتعاظمت حكمته الإنسان على هذه الجبلة؟ لماذا يفطره على هذه الفطرة؟ ما الحكمة الربانية الجليلة وراء ذلك؟ هذا ما أسميه بفلسفة الابتلاء، الله سبحانه وتعالى بقدرته وحكمته ذرأ في النفس أموراً متأصلة فيها، وعظم جداً في حبها، وهنا لما علم سبحانه وتعالى أنك أصبحت تحبها حباً جمّاً ولا تطيق لها فراقاً، طلب منك أن تعطيها في سبيله وتنفقها من أجله؛ حتى تثبت أنك تقدم حب الله على حب شيء مؤصّل عميق في الفطرة، وهذا دليل الصدق في حب الله، فلو طلب الله من الخلق دفع شيء بسيط زهيد لنجح في الاختبار الصادقون والكاذبون، والأمر ليس تمثيلية هزلية، الاختبار حقيقي وجاد، بل هو عسير وشاق؛ ولكونه عسيراً وشاقاً فإن المكافأة سخية، والجائزة عظيمة، بل هي أعظم من أن يتخيلها البشر أو تخطر على أذهانهم، إنها الجنة التي لو أدركتم حقيقتها لذبتم اشتياقاً إليها، ولما طابت لكم حياة على الأرض، لو أدركتم حقيقتها ما خاطرتم بها ولو كان الثمن خزائن الأرض وكنوز الدنيا بأسرها.

ترجمة هذا: أنك تجد في نفسك حباً فطرياً وميلاً غريزياً للمال، ثم يطلب الله منك أن تنفقه في سبيله، هنا لا بد أن تعقد مقارنة سريعة حتمية في داخلك: أيهما تحب أكثر المال أم الله؟ نعم يا إخوة! هذه هي الحقيقة بكاملها: المال أم الله؟ كل إنسان يقول بلسانه: أختار الله على ما سواه، لكن لا بد أن يصدق العمل قول اللسان، وإلا فما معنى الاختبار؟ ترجمة هذا أيضاً: أنك تجد في نفسك حباً فطرياً للآباء والأبناء والأزواج والعشيرة، ثم يأتي موقف إما أن ترضي فيه الأحباب، وإما أن ترضي فيه الله، وعليك أن تعقد مقارنة سريعة: الأحباب أم الله؟ وتذكر أن الإجابة ستكون بالفعل لا بالقول، الأمر جد خطير والقضية مصيرية في حياة الإنسان: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ} [التوبة:٢٤]، انتبهنا إلى المقارنة، {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ} [التوبة:٢٤].

فالجهاد جزء من حب الله ورسوله لكن ماذا يذكر في هذا المقام؛ حتى يلفت النظر إلى قضية الفعل لا القول؟ لا يكفي أن تقول: أحب الله أكثر، لا بد من الجهاد في سبيله وبذل هذه الأشياء الثمانية المذكورة في الآية، وماذا يحدث لو لم تفعل؟ {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:٢٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>