للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإنفاق اختبار لصاحبه في اختياره ربه أو الشيطان]

أخي! هل ما زال في القلب شك؟ إن كان هناك شك فهاك وسيلة ثامنة لطيفة، لكن مخوفة، فالله عز وجل يجعل الإنفاق اختباراً تختار فيه الله أو الشيطان، يقول الله عز وجل: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٦٨]، فانظر أيهما تصدق؟ سألتك مالاً لفلسطين فجاء الشيطان فقال: لا تنفق كثيراً لئلا تفتقر، ما زلت تحتاج إلى كذا وكذا وكذا، ما زال هناك طعام وشراب، ما زال هناك بيت وسيارة، ما زال هناك سفر ومشاريع، ما زالت هناك زوجة وأولاد، ويعظم المسألة في ذهنك تماماً، حتى تثاقل إلى الأرض، وترضى بالحياة الدنيا من الآخرة.

ثم من الناحية الأخرى فإن الله يعدك أن يخلفك خيراً مما أنفقت في الدنيا والآخرة، ويبارك لك في مالك وأهلك، ويضاعف لك أضعافاً كثيرة، وفوق ذلك رحمة وتوبة ومغفرة، وفوق ذلك جنة ونعيم، فعليك أن تعرض المقارنة على ذهنك بسرعة كسرعة أبي الدحداح، فستمر الأيام وتذهب أنت ويذهب المال، ويذهب أهل فلسطين، ولا يبقى شيء إلا ما عند الله، فآثروا ما يبقى ويدوم على ما يفنى وينعدم.

كانت هذه بعض أساليب القرآن المعجزة في التحفيز على مسألة شاقة على النفس، وهي مسألة إخراج المال في سبيل الله، وأنا في اعتقادي أن إنفاق المال بعد هذا التحفيز هي مرحلة من مراحل الإيمان، ودرجة من درجات الرقي إلى الله عز وجل، فالدرجة قد تعلوها درجات، فالرجل إذا حفز أنفق، وإذا استنفر نفر، وإذا دعي أجاب، فتكون الزيادة بعد هذا أنه يرتقي من مرحلة من يحفز على الإنفاق إلى مرحلة من يرغب في الإنفاق ويبحث عنه، ويتمنى أن لو يجد له سبيلاً يجود فيه بما في يده طمعاً لما في يد الله عز وجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>