للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه ربه]

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أحواله ما ترك الدعاء أبداً، وما يئس منه قط مهما تأخرت الإجابة، ومهما طال الطريق، وكان أشد ما يكون دعاءً ورجاءً وخشوعاً وابتهالاً عند مواقف الضيق والشدة، يفزع إلى ربه ويحتمي بحماه، ويطلب عونه، ويرجو مدده وتأييده، كما هو حالنا اليوم على أرض فلسطين وغيرها من أراضي المسلمين التي تحتاج إلى دعاء لا يتوقف.

انظر إليه صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وقد اشتد الضيق بالمسلمين.

يقول صلى الله عليه وسلم: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تُعبد) وبالغ في الابتهال صلى الله عليه وسلم حتى سقط رداءه عن منكبيه، وأشفق عليه الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فأتى إليه يقول: حسبك يا رسول الله! ألححت على ربك.

وفي غزوة الخندق والصحابة منهمكون في حفر الخندق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لهم ويقول: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة).

ونحن ندعو لأهل فلسطين أن يغفر الله لهم وهم منهمكون في حرب عدوهم وعدونا: اللهم اغفر لنا ولأهل فلسطين.

وفي الأحزاب أيضاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين؛ لأنهم أضاعوا عليهم صلاة العصر؛ وذلك لانشغال المسلمين بالدفاع عن الخندق، فقال صلى الله عليه وسلم: (ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس)، ونحن أيضاً ندعو على اليهود أن يملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً كما فعلوا في أبنائنا وإخواننا وأمهاتنا وبناتنا في فلسطين ما فعلوا، فقد أحالوا بيوتهم وشوارعهم إلى نار موقدة لعنهم الله.

بل انظر إليه صلى الله عليه وسلم كيف كان يدعو الله في كل أحواله حتى بعد فجيعة أحد، انظر إليه كيف كان شاكراً حامداً راضياً مطمئناً حتى بعد كارثة استشهاد ٧٠ من أجلاء الصحابة، اسمع وتدبر جيداً وهو يبدأ دعاءه صلى الله عليه وسلم بشيء عجيب.

يقول: (اللهم لك الحمد كله) يبدأ بالحمد، وذلك حتى لا يظن ظان أنه ساخط، أو أنه معترض على قضاء الله، (اللهم لك الحمد كله) ويعلم الله كم من النعم والأفضال في أرض فلسطين الآن، مع كل ما نراه من آلام، والتي يجب أن يُحمد عليها سبحانه وتعالى، يكفي قوله سبحانه وتعالى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:١٤٠ - ١٤١] فضائل عظيمة، فتمييز المؤمنين من المنافقين الذين لا يريدون جهاداً هذه فضيلة، واتخاذ شهداء هذه فضيلة، وتمحيص المؤمنين -أي: تطهيرهم من الذنوب- هذه فضيلة، محق الكافرين -أي: إهلاكهم واستئصالهم- هذه فضيلة، هذه كلها نعم تستوجب حمد الله سبحانه وتعالى.

جاء في مسند الإمام أحمد والطبراني، ورواه أيضاً البخاري في الأدب المفرد: (إنه لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استووا حتى أثني على ربي، فصاروا خلفه صفوفاً فقال: اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولما مبعّد لما قرّبت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك العون يوم العيلة والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا، وشر ما منعتنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذّبون رسلك ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك إله الحق!)، لا يفتر عن دعاء صلى الله عليه وسلم في بدر كان أو في أحد، في نصر كان أو في هزيمة، في فرح كان أو في هم صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>