للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إحساس المسلم بفلسطين إحساس نابع من القلب]

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلنا من الذين حفظوا للقرآن حرمته، وممن عظموا منزلته، وممن تأدبوا بآدابه، وممن التزموا بأحكامه، وممن حللوا حلاله، وممن حرموا حرامه، وممن عمل بمحكمه، وممن آمن بمتشابهه.

اللهم إنا نسألك إيماناً دائماً، ويقيناً صادقاً، وقلباً خاشعاً، وعلماً نافعاً، ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً.

آمين آمين، وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

أما بعد: مع الحلقة الثانية من حلقات قضية فلسطين، تحدثنا في الحلقة الأولى عن ربط قضية فلسطين بالأندلس، وعن خطورة قضية فلسطين، وعن المؤامرات الكثيرة التي تحاك لأمة المسلمين، وبالتبعية لفلسطين، وعن دور الأمة إجمالاً في حل قضية فلسطين، وعن المؤامرة الفكرية التي ذكرنا خطورتها على الأمة الإسلامية، وتحدثنا أيضاً عن مفهوم الأمة الإسلامية، وعن الدور الأول تجاه قضية فلسطين، وهو تحريك القضية بالمفاهيم الصحيحة وبسرعة.

قبل الحديث عن هذا الدور الكبير، دور تحريك القضية بالمفاهيم وبسرعة، أجيب عن سؤال جاء من أخ بخصوص الحلقة السابقة.

أخ يسأل ويقول: تعليقاً على أن المسلمين كالجسد الواحد، وأنه ليس من المعقول أن يشتكي القلب أو اليد، وتظل العين لاهية برؤية المباريات والمشاكل التافهة والمسلسلات وما إلى ذلك هل تطلب منا أن نعيش في كآبة مستمرة تضامناً مع أهل فلسطين؟

الجواب

الحق أنا لم أقل: أنك ستعيش في كآبة تضامناً مع أهل فلسطين، أنا لا أطلب منك تمثيل الحزن أو تعمد البعد عن أماكن الفرح إمعاناً في الكآبة، لكن ما ذكرته هو أن هذا شعور ذاتي لا يحتاج من الإنسان أن يبذل له مجهوداً، شعور الجسد الواحد، إذا أصيب قلبك فهل تدعي العين الألم؟ أو تدعي القدم الألم؟ أم أنها فعلاً تشعر بالألم دون ادعاء؟ لو مات إنسان عزيز عليك، هل تحتاج إلى بذل مجهود لفصل نفسك عن أماكن اللهو، أم أن هذا شعور ذاتي تلقائي نتيجة الحزن الحقيقي؟! ما أريده هو أن تحس بالقضية إحساساً صادقاً، وساعتها سيأتي الحزن بشكل طبيعي، بل سيتبع الحزن عمل إيجابي، يبغي التغيير والإصلاح، وأضرب مثالاً يوضح الصورة: موقف مشهور جداً في التاريخ، موقف صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، عندما روي أمامه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في هذا الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فكان الرواة لهذا الحديث يضحكون عندما يذكرون ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما روي هذا الحديث أمام صلاح الدين الأيوبي لم يضحك، فسألوا عن ذلك فقال: كيف أضحك والأقصى أسير في أيدي الصليبيين؟ هو لا يستطيع أن يضحك؛ لأنه يحس فعلاً بالقضية، هو لا يفتعل الحزن تضامناً مع المشردين من أهل فلسطين، ولا يدعي الألم احتراماً لمشاعر الآخرين، ولكنه بالفعل يعاني كما يعانون، ويتألم كما يتألمون، هو جزء لا يتجزأ من الجسد الواحد، ولا بد أن يشعر بشعوره، ويتألم لآلامه، ويحزن لأحزانه، ويفرح لأفراحه دون تكلف ولا افتعال، فأنت إن أدركت القضية على حقيقتها، وأن لك دوراً فيها دخل الحزن في قلبك مؤكداً لا افتعال فيه ولا تكلف، هذا ما أريده، ولا أريد منك أن تفتعل الحزن لقضية فلسطين.

<<  <  ج: ص:  >  >>