للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إصلاح الأوضاع من مهام هذه الأمة]

إن هذه الأمة لا تُهلك بكاملها، ولا يستأصلها الله عز وجل بأجمعها؛ لأنها الأمة التي تحمل الرسالة الباقية إلى الخلق أجمعين وذلك إلى يوم القيامة، ولكن من الممكن أن تستبدل -كلمة في منتهى الخطورة- فالله عز وجل يستبدل جيلاً بجيل آخر، فيذهب جيل فاسد ويأتي جيل صالح، وكذلك يذهب فرد فاسد ويجيء فرد صالح، وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم من المسلمين أيضاً، لكن من المسلمين الذين فهموا دينهم جيداً، قال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:٣٨]، أي: أن الأمة التي لم تستوف شروط الخيرية ستستبدل بأمة مسلمة ثانية، وذلك مثلما استبدل ربنا سبحانه وتعالى أمماً كثيرة من الأمم الإسلامية السابقة، فدول إسلامية قامت ودول إسلامية سقطت، وهذا السقوط كان متبوعاً بقيام أمة تحافظ على شروط الخيرية، وأهم شروط الخيرية لهذه الأمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠]، ومن أول صفات هذه الأمة الخيرية: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠]، وتأمل هنا: مع أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزء من الإيمان بالله عز وجل، لكن الله سبحانه وتعالى قدمه لكي يُعظِّم قيمته، ولكي تعرف أنه من غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -حتى لو كنت تعمل عبادات كثيرة جداً- لا خيرية لهذه الأمة أبداً.

إن من مهام هذه الأمة إصلاح الأوضاع على وجه الأرض بكاملها، وليس فقط في بلاد المسلمين فحسب، بل من واجب هذه الأمة أن تُعِّلم كل الأرض، سواء الذين يعيشون في الصين، أو الذين يعيشون في روسيا، أو الذين يعيشون في أوروبا، أو في أمريكا واستراليا، أو الذين يعيشون في الجزر النائية في أعماق المحيطات، فواجب عليك أن توصل لهم هذا الدين وتعلمهم وتصبر على أذاهم إن حاربوك أو رفضوك فهذا هو واجبك، وأنت لا تتفضل عليهم بذلك، لأنك من أمة الخيرية المأمورة بذلك، وإذا كنت لا تريد أن تكون من خير الأمم فاترك أمر الدعوة، لكن لا تقول: أنا خير أمة أخرجت للناس.

يقول أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه -يصف أمة الإسلام- كما جاء في صحيح البخاري: خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام.

ويقصد بذلك: الفتوحات الإسلامية التي كان أول همها تعليم الناس، ودعوة الناس إلى الله عز وجل، وكان هناك أناس كثيرون جداً يكرهون الفتوحات الإسلامية، فغزت جيوش المسلمين هذه الأمم، وكانت ترفض دخول الجيوش الإسلامية إليها، لكن مع مرور الوقت دخل الناس في الإسلام، ويمكن أنها دخلت في بدية الإسلام، لأن الإسلام دين عظيم وكبير ومهيمن على الأرض في ذلك الزمن، لكن بعد ذلك اكتشفوا عظمة هذا الدين، فأسلموا وحسن إسلامهم، وأصبحوا من أهل الجنة، وكان من الممكن أن يدخلوا النار لو بقوا طول عمرهم يعبدون النار أو يعبدون المسيح أو يعبدون الشجر أو الحشرات كما كان يحصل في الهند، وقد كانوا عبدوا كل شيء إلا الله عز وجل، فكان واجب المسلمين أن يعلموهم ويدلوهم على الطريق الحق.

وانظر كم من خير؟! تأتون بهم بالسلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام، وهذا هو سبب خيرية هذه الأمة، ليس لأنها أمة تقيم العدل في إطار توليها فقط، وفي إطار حدودها فقط، وتترك العالم من حولها يعبد ما شاء، ويعيش كما يشاء، ويظلم كما يشاء، ويسرق كما يشاء، ويعصي ربنا سبحانه وتعالى كما يشاء، لا، فهذه ليست مهمة أمة الإسلام، وإنما مهمة أمة الإسلام أنها تعلم جميع الناس الخير.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه: (عجب الله من قوم يدخلون الجنة بالسلاسل)، أي: الناس الذين آمنوا بدين الله عز وجل بعد حرب طويلة، فالمسلمون قد حاربوا أناساً كثيرين، وأسروا أناساً كثيرين، وهؤلاء الأسرى بعد أن جاءوا إلى بلاد الإسلام، ورأوا الإسلام على حقيقته أحبوا هذا الدين، ودخلوا في دين الإسلام، ودخلوا الجنة بعد ذلك، ولم يكونوا يريدون ذلك، لكن أمة الإسلام كانت هي السبب في دخولهم الجنة، وهذا فضل كبير جداً، لذلك قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>