للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النظر في الكتاب المنظور]

الكتاب الثاني هو كتاب الله المنظور، أي: الكون والخلق، فتفكر في خلق السماوات والأرض، وتأمل قول الله عز وجل: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [غافر:٥٧] فهذا الكون فسيح جداً لدرجة يتوه العقل فيه تماماً، وليس من الممكن أن تتخيله، فلو أن هناك طائرة خيالية تسير بسرعة ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية الواحدة!! فكم من الوقت تحتاج للسير في أرجاء الكون؟ قد تحتاج إلى ألف مليون سنة، وفي الأخير أيضاً لا تستطيع، لماذا؟ لأن الكون يتمدد ويتوسع كما قال الله عز وجل: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:٤٧]، ولو تأملنا في بعد الشمس عن الأرض، فإن البُعد بينهما يساوي مائة وخمسين مليون كيلو متر، والأرض تدور في محورها بسرعة ألف وستمائة كيلو متر في الساعة، والدائرة التي تدور فيها الأرض قطرها ثلاثمائة مليون كيلو متر، فتخيل الرقم ثلاثمائة مليون كيلو متر وتكمل الدورة في سنة كاملة، وكذلك إذا كانت الأرض مع ثمانية كواكب أخرى مع الشمس في المجموعة الشمسية، أي: أن المجموعة الشمسية كما تعلمون تسعة كواكب، وأبعدها هو كوكب بلوتو، فإنه يدور في دائرة قطرها اثنا عشر ألف مليون كيلو متر وكل هذه المجموعة الشمسية فقط، والشمس نفسها ليست ثابتة، فهي تدور في فلك ومعها كل الكواكب التي حولها ومن ضمنها الأرض، وسرعة دوران الشمس تسعمائة وستون ألف كيلو متر في الساعة، والشمس هذه هي أحد الشموس في مجرة هائلة اسمها مجرة درب التبانة، وهناك شموس أخرى تحيط بها كواكب، وحجمها كالأرض وأكبر وأصغر، وعدد الشموس في مجرة درب التبانة أربعمائة ألف مليون شمس كشمسنا في مجرة درب التبانة، والكون كله ليس مجرة درب التبانة فقط! فهذه المجرة هي إحدى المجرات الهائلة في الكون، والمجرات في الكون تبلغ مائتين ألف مليون مجرة كمجرة درب التبانة، وارجع وراجع هذه المعلومات، وانظر إلى هذه الأرقام، فإنها جزء من ملكوت ربنا سبحانه وتعالى، فهذا هو جزء الكون الذي نحن رأيناه بالتليسكوبات، وكلما نخترع تليسكوباً أكبر كلما نرى أكثر، وكل هذه المليارات من النجوم والكواكب تدور في الكون دون تصادم، والعجيب أن بعض المجرات تدخل في مجرات أخرى بكاملها دون أن تصطدم، فانظر إلى عظمة هذا الكون، صنع من هذا إنه صنع الله عز وجل، {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [لقمان:١١]، إذاً: فكيف يعرف الواحد منا جميع هذه المعلومات والحقائق ولا يعبد ربه سبحانه وتعالى حق العبادة؟ وكيف من الممكن أن يعرف كل هذا ولا يعمل لله عز وجل! وكيف من الممكن أن يعرف كل هذا ويعمل لغيره، أو يشرك به أحداً أو شيئاً؟! مستحيل ذلك.

هذه كانت أكبر شيء في الكون: السماوات، ولنأت لنتدبر أشياء صغيرة جداً في الكون وهي الذرة، هذا الشيء الصغير الذي لا نستطيع بالمناظير الكبيرة جداً التي تكبر ملايين المرات أن نراه، هذه الذرة العجيبة تحتوي على نفس نظام الكواكب السيارة المحيطة بالشمس، ونفس نظام النجوم الدائرة في المجرة، وهذا يثبت أن خالق هذا الكون هو خالق واحد، لأن كل الكون فيه أشياء متشابهة جداً، وهذه الذرة الدقيقة جداً تحتوي على إلكترونات تدور حول البروتونات، كما تدور الأرض والكواكب حول الشمس، فيا ترى ما هو حجم الإلكترون في الذرة؟ وما هي نسبة حجم الإلكترون إلى حجم الذرة؟ الإلكترون واحد على ألف مليون من حجم الذرة، والإلكترون يدور حول البروتون بلايين المرات في الثانية الواحدة، والإلكترون أكثر من الذرة بكثير جداً، ولهذا نستطيع أن نفهم كلام ربنا سبحانه وتعالى: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سبأ:٣]، والعلماء السابقون كانوا يعتقدون أن هذه صيغة مبالغة، {وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ} [سبأ:٣]، لأنه في اعتقادهم أنه لا يوجد شيء أصغر من الذرة، لكن هذا العلم الذي منَّ الله به علينا أثبت أن الإلكترون أصغر من الذرة بألف مليون مرة، ولا نعرف ما الذي سيأتي غداً، وأنا متأكد أنا سنجد بعد هذا أن الإلكترون هذا الجسيم الصغير جداً أمام الذرة، داخله عالم كبير من الأحداث نحن لا نزال لم نعرفها، وغداً سنعرفها.

ولو أتينا للتفكر في أنفسنا وفي أجسامنا لرأينا العجب، قال تعالى: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:٢١]، فالإنسان قد ينبهر بنظام الاتصالات في العصر الحديث، من تليفونات ونت وأقمار صناعية وأشياء كثيرة غيرها، لكن لو نظرت إلى داخلك وإلى نظامك العصبي -نظام الاتصالات بداخلك- لوجدت أن النظام العصبي في الإنسان يضم ألف مليون خلية عصبية، وهذا في الطفل والشاب والشيخ الكبير، فهذا هو نظام الاتصالات الرهيب الذي خ

<<  <  ج: ص:  >  >>