للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذم الله لبني إسرائيل ومن وافقهم بسبب تركهم العمل بالعلم]

قال الله عز وجل في حق بني إسرائيل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران:٧٠ - ٧١]، فقد كانوا قواميس متحركة، وكانوا يعرفون كل شيء، لكن لا يعملون بما علموا، فماذا كانت النتيجة؟ ضلال وكفر ولعنة، ثم جهنم والعياذ بالله.

واسمع إلى قصة حيي بن أخطب مع أخيه، فقد كان حيي بن أخطب من أكابر اليهود أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب هو وأخوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعرفوا هل هو الرسول الموصوف لديهم أم لا؟ فسأله أخوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أهو هو؟ قال: نعم! قال: وما تفعل معه؟ -واسمع إلى قول حيي بن أخطب وهو يعرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: عداوته ما بقيت.

أي: أحاربه إلى أن أموت، علم بلا عمل، عجز وحماقة وغباء.

حتى إن تاريخ اليهود يشهد بهذه الصفة الذميمة: علم بلا عمل، روى البخاري ومسلم وغيرهما -واللفظ للبخاري - عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (قيل لبني إسرائيل: ادخلوا الباب سجداً وقولوا: حطة نغفر لكم خطاياكم، فبدلوا، فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم، وقالوا: حبة في شعرة)، يعني: بدلاً من أن يقولوا: حطة، قالوا: حبة في شعرة، وفي رواية: (قالوا: حنطة)، سبحان الله! لا يريدون التطبيق مع أنهم يعرفون، والآيات كلها واضحة بأنهم كانوا علماء، ومن ذلك قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء:١٩٧]، علماء، لكن أين العمل؟ لا عمل!! وكقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ} [البقرة:٦٧]، وانظروا كيف ردوا على نبيهم؟! سوء أدب ومجادلة وعناد وحماقة وعدم رغبة في التطبيق أصلاً، فيسمعون ولكن ليس للطاعة، بل للعصيان والتمرد على أوامر الله تعالى.

ويقول الله تبارك وتعالى في ذلك أيضاً: {مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [النساء:٤٦]، وكل ما سبق ذكره في حق بني إسرائيل يلخصه الله عز وجل في وصفهم الذي وصفهم به في سورة الجمعة، فقال سبحانه وتعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة:٥]، فالله عز وجل قد أمهلهم في المرة الأولى والثانية، ثم طلب منهم في المرة الثالثة أن يقوموا بمهمة حمل التوراة، ولكنهم عصوا وتمردوا، وقبل ذلك اختارهم الله وأرسل لهم الرسل، الواحد تلو الآخر فرفضوا، وأراهم الآيات الواضحة الواحدة تلو الأخرى، ولكن بلا فائدة، بل أصروا على عدم القبول لمهمة الإنسان، وقاموا بمهمة أخرى تماماً، فقبلوا مهمة الحمار، والحمار يحمل الأشياء بغض النظر عن قيمتها ومحتواها، فيحمل الكتب كما يحمل الحشيش، لا فرق عنده في ذلك، لكنه لا يستفيد بشيء مما يحمل، وهذه ليست غلطة من الحمار، فهو خلق لهذا وهو يقوم بما خلق له، والعيب كل العيب في الذي خلقه الله سبحانه وتعالى لوظيفة معينة وهو يعمل في عمل آخر تماماً، ويترك وظيفته الرئيسية، وذلك كبني إسرائيل عندما أعطاهم الله التوراة لأجل أن يدعوا إليه ويعلموا الناس أمر دينهم، ويسمعوا ما فيها من أوامر ونواه، لكنهم قاموا بوظيفة الحمار، ألا وهي: حمل التوراة دون أن يعملوا بمحتواها: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:٥].

وأيضاً المسلم الذي سيحتفظ بكتاب ربنا سبحانه وتعالى، وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في البيت أو في السيارة أو في غيرهما من الأماكن ولا يعمل بهما؛ هو واقع عليه نفس الوصف: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:٥].

وكذلك الذي يقرأ آيات الربا ثم يتعامل بالربا، والذي يقرأ آيات الرفق واللين والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ثم يتعامل بالعنف، والذي يقرأ آيات حفظ اللسان وكأنه لا يقرأ ولا يسمع، والذي يقرأ آيات بر الوالدين وصلة الرحم ولا يلقي لها بالاً، والذي يقرأ آيات الإنفاق والجهاد ثم يبخل بالمال والنفس: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:٥].

فعجيب جداً أن يكون الإنسان ظاهره الإسلام واسمه مسلماً، ووالداه مسلمين،

<<  <  ج: ص:  >  >>