للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسئولية الحكومات والأفراد تجاه العلوم الحياتية]

أيضاً هناك أناس علّقت وتقول: إن هذه الأرقام التي ذكرتها مسئولية الحكومات، فهي التي أنفقت هذا الإنفاق الضئيل على العلم، وهي التي حرمت الناس من التعليم الجيد أو المناهج التعليمية الجيدة، وهي التي وجهت الأموال إلى غير مصارفها التي ينبغي أن تُصرف فيها، وهي وهي، ولا شك أن الحكومة تتحمل مسئولية ضخمة في هذا الأمر، وأنه لا بد للحكومة الصالحة أن ترفع من شأن أمتها، وأن ترفع من شأن شعبها في كل المجالات، وهم غير معذورين في ذلك، ولكن ليس هناك مبرر للبقاء في ذيل الأمم سنوات وسنوات، نعم لا نعفيهم من المسئولية، لكن أيضاً لا نعفي أنفسنا من المسئولية، فنحن عندنا مساحات ضخمة جداً، ومن الممكن أن نشتغل فيها وننتج ونبرع، فالطالب الذي عنده مناهج تعليمية ليست على المستوى الأمثل، لم يمنعك أحد أن تتقن هذه المناهج قدر المستطاع، ثم تخرج إلى خارج هذه المناهج وتطالع العلوم الموجودة في كتب ومراجع مختلفة موجودة في الإنترنت، وموجودة في مكتبات هنا وهناك؛ لترفع من حصيلتك العلمية، فلو أن عندك حمية صحيحة لأمتك لعملت هكذا، أما إذا كان الإنسان يدخل الكلية من أجل أن ينجح ويأخذ الشهادة فلن يعمل ولن يتحرك أبداً، فعندما يكون هناك جو عام من حب العلم في البلد، فمن الطبيعي أن يتوجه البلد بعد هذا إلى العلم شاء أم أبى متخذو القرار في البلد، فالسياسيون سيجدون أنه من الأفضل أن يسيروا مع هذه الموجة العلمية كما يسيرون مثلاً مع الموجة الدينية، مع أن الكثير منهم يكرهون الدين، لكن تجدهم يسيرون معه ويحضرون الاحتفالات الدينية، ويعطون الجوائز على القرآن الكريم وحفظ القرآن الكريم، ويرسلون كذا وكذا فهذا طبيعي في جو عام من الاهتمام بالدين، فلا بد أن يهتموا معهم بالدين ولو ظاهراً، كذلك لو كانت هناك ثورة علمية، وجميع الناس يحبون العلم ويتحركون من أجل العلم، في الوقت نفسه ستجد السياسي من أجل نجاحه في الانتخابات يضع في برنامجه مؤسسات علمية، وليس فقط أن يوفر السكر والأكل والعيش! لا، فهموم الأمة ليس في الطعام والشراب، ولكن هموم الأمة في العلم، فيضع في برنامجه الانتخابي أنه سينشئ مؤسسة علمية، وسيخصص ويضخم ويكبّر من ميزانية الدولة المتجهة إلى العلوم، فأعلى دولة تعطي جانباً كبيراً من ميزانيتها الحكومية للعلم على مستوى العالم هي إسرائيل، فالميزانية للحكومة بأكملها منها (٣٠%) مصروف للعلم، فلا بد أن يكون هناك فجوة، ولا بد أن نفهم الدولة التي تُزرع داخل فلسطين منذ ستين سنة فقط، ومع ذلك تصل إلى هذا المستوى ليس بالسحر ولا بالشعوذة، فهناك سنن كونية ربانية: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} [هود:١٥] فالذي يعمل يصل إلى النتائج، نعم ليس له في الآخرة نصيب؛ لأنه لا يعمل ذلك لله عز وجل، لكن نحن المسلمين أمرنا أن نعمل في الدنيا ونسود ونقود في الدنيا العالم أجمع إلى الخير وإلى العدل وإلى الإسلام، ونحن في الآخرة من المفلحين، فكلا الأمرين مطلوب من المسلمين، غير المسلمين هم الذين يعملون للدنيا فقط، لكن كما ذكرت الذي يعمل يصل إلى النتائج وهذه من السنن.

فهناك أحد الإخوة كان يسأل عن هجرة العقول، وظاهرة استنزاف العقول، وأن العلماء المسلمين والطلاب المسلمين يهاجرون إلى بلاد الغرب ليتعلموا هناك ويمكثون هناك، ألا نسافر إلى هناك للتعلم؟ فأحد الإخوة يقول: أنا عندي بعثة وأريد أن أسافر لأتعلم ألا أسافر للتعلم؟ هذا الأخ فهم أني أمنع السفر للتعلم، لكن أقول: أبداً ما ذكرت هذا الكلام، بل إن من وسائل التعلم الرأسية كما سيأتي إن شاء الله في المحاضرات: أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون، فالنقل عن الغير في الأمور غير الشرعية أمر محمود، والحضارة الإسلامية في بداياتها قامت على النقل من الحضارات الأخرى المختلفة، ثم نبغ المسلمون وعلماء المسلمين وطوروا وأحدثوا الأمور الكثيرة واخترعوا وزادوا، وقادوا العالم بعد ذلك سنوات وقروناً في حركة العلم، لكن كانت البداية أنهم نقلوا عن الآخرين، وما أُعيب على أحد أبداً أن يسافر ليأخذ العلم من هناك، لكن أعيب عليه أن يبقى هناك، وأن يسافر بدون خطة، فهل يسافر أربع سنوات أم ست سنوات أم عشراً، أو أنك لا تعرف؟ هل ستظل هناك؛ لأن الجو هناك مريح والظروف مريحة، أم أنك سترجع إلى أمتك التي هي في حاجتك؟ وهل العلم الذي تعلمته ستضيفه إلى قوة أمريكا أو قوة إنجلترا أو قوة فرنسا أم تضيفه إلى قوة المسلمين؟ قابلت في أمريكا أحد الإخوة الملتزمين، ولكن في رأيي كان بدون فقه وبدون علم صحيح، فهو لديه بكالوريوس في الطب، وبكالوريوس في العلوم، وأيضاً بكالوريوس في الهندسة، وسافر أمريكا لتزويد علمه، ولم يكن لديه المال فاشتغل سواق تاكسي؛ ليرفع من دخله ويستطيع أن يصرف على نفسه في العلم، أعطاه التاكسي أموالاً لم يكن يحلم بها، فأُعجب بالدولار، والدولار له بريق، فهو أراد أن يشتغل شهراً وشهرين ليصرف على نفسه ويأخذ بكالوريو

<<  <  ج: ص:  >  >>