للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خلق الإنسان]

فالملحدون بالكلية وهم الذين لا يصدقون بوجود الله قضيتنا معهم قضية إثبات وجود الله سبحانه وتعالى، وكلامنا هنا مع غالب البشرية الذين يصدقون بوجود الله، ولكنهم يشركون بالله، أو يستبعدون قدرة الله على إعادة الأجساد مرة أخرى، وهؤلاء ناقشهم الله سبحانه وتعالى بعدة أنواع من الأدلة، فمن ذلك هذه الآية التي يذكرهم الله سبحانه وتعالى بدليل هو أنفسهم: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:٧٨]، فالذي يقول بهذه المقالة ويريد الدليل، نقول: أنت -أيها السائل- دليل على البعث، فالله أنشأك من عدم، كلنا عندما يحسب عمره ثم يقدم على أول عمره سنة أو سنتين يعلم أنه كان عدماً، قال الله جل وعلا: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان:١] أي: قد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً، سواء كان هذا الإنسان آدم قبل أن يخلق أو كل واحد منا، فكلنا قبل أن يخلق في بطن أمه كان عدماً، فأنت -أيها السائل- دليل على قدرة الله سبحانه وتعالى على البعث والنشور، فالذي أنشأ هذا الإنسان من عدم بعد أن لم يكن موجوداً قادر على إعادته، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:٢٧].

وقد استقر في فطرة الناس أن الإعادة أسهل من البداءة، فالذي صنع شيئاً يسهل عليه أن يعيده أو يعيد مثله، فهنا يقول تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:٧٨ - ٧٩].

فالله سبحانه وتعالى أنشأ الناس من العدم، وخلق هذا الخلق السوي بهذه الحواس المتكاملة، وبهذا القلب النابض، وبهذا الفكر الواعي، وبهذه الأحاسيس والمشاعر، وقد أوجدها الخبير العليم البصير القدير القوي القاهر القادر، فإذا قال: أنا سأحييهم مرة أخرى بعد موتهم؛ فليس في ذلك غرابة؛ لأن من صنع أول مرة قادر على أن يعيد الإنسان مرة أخرى، كما قال جل وعلا في سورة أخرى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الحج:٥]، وهذا هو الخلق الأول آدم عليه السلام، خلقه من تراب، والتراب جماد لا حياة فيه، والتراب أصبح طيناً، والطين صلصالاً كما في آية أخرى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر:٢٦]، وقال: {مِنْ طِينٍ لازِبٍ} [الصافات:١١]، بل وشكله الله سبحانه وتعالى بيديه كما قال لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥]، ثم نفخ فيه من روحه، فدبت فيه الحياة، فأصبح حياً سميعاً بصيراً متكلماً، أما قبل ذلك فقد كان عدماً لا شيء، قال الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الحج:٥]، فالذي حول التراب إلى حياة قادر على أن يعيد ذرات الإنسان بعد أن تضل وتغيب في الأرض، وقادر على أن يجمعها مرة أخرى، فالأمر أمره، والقول قوله، والحكم حكمه، ونحن لا نقيس قدرات الله على قدراتنا، فمن هنا جاء الخطأ، فالإنسان لا يستطيع أن يفعل ذلك؛ أنها قدرتي وقدرتك وقدرة البشر، أما قدرة الله فغير ذلك، قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢].

{فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الحج:٥] هذا هو الخلق الأول، ثم بعد ذلك تسلسل البشر.

ومما أخبرنا الله به أيضاً: أن حواء خلقت من ضلع آدم، وهذه معجزة أخرى؛ لأن جزءاً من حي خلق منه امرأة، ثم تسلسل بقية الناس من ذكر وأنثى إلا ما كان من عيسى فإنه خلق من أنثى بلا ذكر.