للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عبرة ودرس من غزوة بني النضير]

عبرة ودرس ينبغي أن يعيه المسلمون في هذه الأيام.

وهو: أن العالم كله يصور اليهود أنه لا يمكن أن يقهروا، ولا يمكن أن يغلبوا، فلقد ملكوا السلاح والطائرات والقنابل الذرية والمال والإعلام، ويضخم هذا، ويتكلم فيه رؤساء الدول، والصحف العالمية، بل تنقله إذاعاتنا وتلفزيوناتنا وصحافتنا وهي لا تدري ما تفعل، قائلين: اليهود لا يغلبون ولا يقهرون.

هكذا يصور اليهود اليوم، انظر! ماذا يقول الله: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا) هو الله، وليس المؤمنون، هو الله تبارك وتعالى، (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) هم أهل كتاب وهم كفار، (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) أي: أخرجهم من المدينة إلى بلاد المحشر إلى الشام، (مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا) أي: ما كان يظن المؤمنون أن هؤلاء سيخرجون من ديارهم، (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ) وذلك أن القوة كانت تتمثل في تلك الأيام في الرمح، والسيف، والنبال، وحصون تحيط بهم، فلا يستطيع الأعداء أن يخترقوها، فظنوا أن هذه الحصون التي تحيط بهم ستمنعهم من قوة المسلمين، فلا يستطيعون أن ينفذوا من خلالها، وأن يحتلوا أرضهم، ويصلوا إلى مقاتليهم.

(فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) من أين؟ من قلوبهم، وذلك أن النصر جاء بإلقاء الرعب في القلوب، وإذا ألقي الرعب في قلوب المقاتلين فلن ينتفعوا بأنفسهم.

قوله: (وَقَذَفَ) الفاعل هو رب العزة تبارك وتعالى، (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) فكانت النتيجة ما شاهدتم وما رأيتم، وهي: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) وذلك أنه كان من شروط الاتفاقية أن يحملوا من أثاثهم ومتاعهم ما تطيقه الجمال، إلا السلاح من السيوف والرماح والدروع، فكان الرجل منهم ينقض بيته؛ ليأخذ خشبة في الجدار، أو ليأخذ باب الدار، والمؤمنون خربوا بعض بيوتهم عندما كانت المعركة جارية بينهم وبين اليهود، فهذا معنى: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)، قوله: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) أي: انظروا نتيجة الذين يحادون الله ورسوله ماذا فعل الله بهم.

فهذا درس عظيم، فمهما فعل البشر، ومهما أعدوا لحرب الله تبارك وتعالى، وحرب الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته الذين يسلكون الطريق الذي سار فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم الخاسرون؛ لأنهم يحاربون الله عز وجل، فإذا وضع المسلمون أنفسهم في صف الله، واعتمدوا على الله واستنصروا به تبارك وتعالى، وأعدوا ما يستطيعون من عدة؛ فإن الله يكون نصيرهم.

وما ذكره الله عن هؤلاء اليهود بقوله: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ} [الحشر:٢] فهي حادثة واحدة، ومعارك الرسول صلى الله عليه وسلم كلها هكذا، يبذل المسلمون فيها ما يستطيعون من إمكانات، من سلاح وجهود، ورجال وتخطيط، ثم يستعينون بالله تبارك وتعالى فينزل عليهم النصر سبحانه.

وفي معركة بدر فعل المسلمون ذلك فأمدهم الله بملائكة السماء، وفي معركة حنين عندما غشيهم المشركون وأحاطوا بهم، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب، ورمى بها وجوه الأعداء، فانهزموا، فقال رب العزة مسجلاً ذلك في كتابه: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧].

وعلى المسلمين أن يدركوا أن إمكانات البشر لا تساوي بالنسبة لقدرة الله وقوته شيئاً، لكن لابد من شرطين: الأول: أن يكون المسلمون مع الله، بأن يقفوا في الصف الذي يريده الله، وينصروا دينه، ويُعلوا كلمته، ولا يوالون أعداءه الله تبارك وتعالى، وأن لا يحكموا إلا دينه.

والثاني: أن يأخذوا بأسباب القوة والمنعة، وأن يعملوا بمقدار ما يطيقون، كما قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:٦٠]، فلا يكلف الله تبارك وتعالى فوق الاستطاعة.