للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القناعة تورث سلوكاً صواباً أو خطأ

كلمة الشيخ عبد الله المصلح: أيها الإخوة في الله! أبدأ حديثي إليكم بتحيتكم بتحية الإسلام، تحية أهل الجنة كما قال تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب:٤٤]، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

وأحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأشكره وحده، فله المنن العظمى المتتالية، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ} [النحل:٥٣]، ويوم أن نتذكر آلاء الله علينا ونعمه السحاء، فلن ننسى نعمة هذا اللقاء المبارك بكم، وأسأل الله أن يجعله لقاءً نافعاً في السير إليه على بصيرة من أمرنا، إنه على كل شيء قدير، وبعد: ليست التصورات الاعتقادية والمناهج الإيمانية مما يفرض على الناس بالأمر، وما كانت هناك عقيدة تعتقدها أمة، ولا منهج إيماني استقر في كيانها تصديقاً وإيماناً واعتقاداً عن طريق الأمر الجبري، بل إنما تعتقد ذلك إذا اقتنعت، وهي لن تقتنع إلا إذا سارت في الدرب الموصل لها إلى القناعة، وكيف لا يصل هذا الدين إلى الطريق الواصل للقناعة الإنسانية في الإنسان؟! والذي أنزل هذا الدين وارتضاه لنا هو من خلق هذا الإنسان وعلم حقيقة تكوينه، قال الله: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤]، فالعلم هو الطريق الموصل إلى إثبات القناعات، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:١٩]، ولقد بوب الإمام البخاري باباً قال فيه: بابٌ: العلم قبل القول والعمل، ثم استشهد على ذلك بقول الله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:١٩]، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.

فالقناعة أو العقيدة إنما تورثها الأدلة والمعلومات، فيوم أن يأتي علم راشد فيستطيع أن يولد عقيدة راسخة، وهذه العقيدة الراسخة هي بدورها ينبثق منها سلوك الإنسان في حياته، فأنتم ما جاء بكم إلى هذا المقام إلا علم كان قد وصل إليكم، فاستقر قناعة في أعماقكم، وتولد منه هذا السلوك الذي أشهده الآن في هذا الاجتماع المبارك.

هذه الحقيقة الأولى، والحقيقة الثانية: أن العالم اليوم لا يخرج عن واحد من اثنين: فريق يرى أن لهذا الوجود خالقاً خلقه، فله رب وإله، وفريق آخر يرى أن ما يشهده ويحسه من الموجودات هي مخلوقات بلا خالق، ولقد نتج عن هذا تساؤلات بدأت تطرق بقوتها على عقول القوم مظهرة أسئلة لم يستطيعوا بعد الإجابة عليها، وهي: من أنا؟ ولماذا جئت؟ وأين المصير؟ وكيف جئت إلى هذه الحياة؟ وما مصيري بعدها؟ قضايا لن تستطيع العقول البشرية أن تجيب عليها؛ لأن الله لم يمكنها من ذلك.