للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان صدق النبي صلى الله عليه وسلم والهدف من إرساله]

وهناك تعقيب من الله سبحانه وتعالى على الآيات التي ذكرت قصة موسى، فيه بيان أن هذا القرآن من عند الله، وأن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم مرسل من عند ربه، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلمُ بهذه المعلومات الدقيقة عن موسى؛ لأنه كان في صحراء الجزيرة العربية، وكان لا يقرأ ولا يكتب، ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي أخبره بأشياء دقيقة لم تكن موجودة في التوراة، والموجود منها خليط من الحق والباطل، وهذا بلا شك دليل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، ودليل على صدق القرآن، قال تعالى: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص:٤٤ - ٤٦]، فالهدف من إرسال محمد صلى الله عليه وسلم، ومن إنزال القرآن، ((لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ)) فمهمتنا -أيها الإخوة- إقامة حجة الله على عباده، ثم قال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص:٤٧]، فإن مهمتنا الأولى: اتباع الرسل، وتبليغ رسالاتهم للعباد؛ لإقامة حجة الله عليهم، لا أن ندخل الإيمان في القلوب، فذلك لله، ولذلك يقول تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:٥٦]، والهداية نوعان: هداية نملكها، وهداية لا نملكها، فالهداية التي بمعنى: الإرشاد والتوجيه والبيان والوعظ وإقامة الحجة هي التي نملكها؛ لأنها سبب للهداية، والهداية التي لا نملكها: هي إدخال الإيمان في القلوب؛ لأن ذلك لله وحده سبحانه وتعالى.

ولذلك يقول سبحانه لنبيه: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر:٢٣] وقال سبحانه: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة:٢٧٢]، أي: لا تستطيع أن تدخل الإيمان في قلوبهم، ثم يقول: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢]، يعني: فأنت تهدي بالدلالة والبيان والإرشاد والتوجيه وإقامة الحجة، وقال سبحانه: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:١٦٥]، فيوم القيامة لا يقول الله لرسله: لماذا لم تدخلوا الإيمان في قلب فلان؟ ولكن سيقول لهم: لماذا لم تبلغوا فلاناً ولم تقيموا عليه الحجة؟ قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص:٥٩] فقامت الحجة.