للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق]

القضية الثانية: أن نعتصم بحبل الله، كما أمر الله تبارك وتعالى قوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران:١٠٣].

فقوله: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ)) حبل الله: هو كتابه، وطرفه في أيدينا والطرف الآخر عند الله تبارك وتعالى، فمن استمسك به نجا، ونال رضوان الله تبارك وتعالى.

وكتاب الله تبارك وتعالى عقيدة المسلمين، وشريعتهم المسلمين، فيه أخلاقهم وصفاتهم وعلاماتهم! كتاب الله تبارك وتعالى يمثل المنهج الذي رضيه الله تبارك وتعالى للمسلمين ولهذه الأمة، فيصبحوا بكتاب الله ربانيين، وعلماء، وموحدين، وإذا استمسكوا به اجتمعت كلمتهم، وتوحدت صفوفهم، واتحدت عقيدتهم، وتوحدت تصوراتهم وأعمالهم وقبلتهم، فهو يوجههم إلى رب واحد، ورسول واحد ودين واحد، ومنهج واحد.

وقد ذم الله تبارك وتعالى اليهود لتفرقهم، بعد أن أنزل إليهم كتابهم التوراة، فقال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:٤]، جاءتهم البينة من عند الله في كتابه، ثم اختلفوا، والنصارى جاءهم الإنجيل يقرر التوحيد والحق، ويشرع لهم ما يصلحهم في دنياهم وآخرتهم فاختلفوا فيه، وجعلوا عيسى إلهاً من دون الله فتفرقوا.

وهذه الأمة بيوت الله مليئة بكتابه، والإذاعات تتلوه ليل نهار، وعلماء المسلمين يعظون به، والأمة ممزقة مختلفة: فئة تنادي بالبعثية، وفئة تنادي بالوطنية، وفئة تنادي بالديمقراطية، وفئة تنادي بالشيوعية، ويقولون: نحن مسلمون، وأين كتاب الله؟ دينه وشرعه؟ وأين تحكيم هذا الدين في رقاب العباد ونفوسهم، ومجتمعات المسلمين؟ أين الاعتصام بكتاب الله، امتثالاً لقوله سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:١٠٣]؟! فيرضى لنا ربنا أن نعتصم بحبله ولا نتفرق، ولا يرضى تبارك وتعالى لنا أن نتفرق ونختلف، ونضع كتاب الله تبارك وتعالى وراء ظهورنا، إن الرسول صلوات الله وسلامه عليه يشكو في يوم القيامة أمته إلى ربه كما قال تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:٣٠]، فكأنه يقول: إن قومي هجروا كتابك الذي أنزلته ليكون لهم نوراً وضياءً وحياةً، هجروه واستبدلوا به تعاليم فلان وفلان، ونظرية فلان في الاقتصاد، ونظرية فلان في التربية، ومبدأ فلان في المناهج والعقائد، وتفرقوا شذر مذر، كما هو واقع في أمتنا في هذه الأيام.