للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توكيل الله للملائكة بحفظ الإنسان وأعماله]

إن الملائكة يحفظون الإنسان، ويأتونه بالوحي، ويحفظون أعماله، فقد وكلهم الله بحفظ أعمال الإنسان، كما قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الانفطار:١٠]، فالحافظون هم الملائكة، وقال تعالى: {كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار:١١]، فهم يتصفون بصفتين: كرماء أي: أخيار، وكاتبين، وقال تعالى: {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:١٢].

وقد وكل الله على كل إنسان ملكين حاضرين لا يفارقانه، يأتيانه ويحصيان عليه أعماله وأقواله، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٦ - ١٨]، قوله: (رقيب عتيد) يعني: مراقب معد حاضر، لا يفارق الإنسان، يعلم حاله لكثرة ملازمته وحضوره، ويعلم كل ما يؤثر ويصدر عن الإنسان من أقوال وأفعال، ويبدو من النصوص التي بين أيدينا أن الملائكة تكتب كل شيء يصدر عن الإنسان من أقوال وأفعال، لقول الله سبحانه وتعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} [ق:١٨]، وهذه تفيد العموم في اللغة العربية، من قول أي قول؛ لذلك فإن يوم القيامة عندما يرى الكفار كتابهم يقول قائلهم: {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:٤٩].

وقد نقل ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:١٧] أن الحسن البصري -وكان من خيرة الزهاد والوعاظ، وكان رجلاً صالحاً- تلا هذه الآية وقال: يا ابن آدم! بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان، أحدهما عن يمينك، والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ الحسنات، وأما الذي عن يسارك فيحفظ السيئات، فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتى إذا مت طويت صحيفتك، وجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة، فعند ذلك يقول الله تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:١٣ - ١٤]، ثم يقول -أي الحسن البصري -: عدل والله فيك من جعلك حسيب نفسك.

نعم، فهذا قمة في العدل.

ويذكر ابن كثير عن ابن عباس أنه كان يقول: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٨] قال: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله: أتيت، شربت، ذهبت، جئت، رأيت، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله، فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر، وألقي سائره، وذلك قوله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:٣٩].

وذكر ابن كثير عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه فبلغه عن طاوس أنه قال: يكتب الملك كل شيء حتى الأنين، فلم يئن أحمد حتى مات رحمه الله.

وما ورد على لسان الحسن البصري من أن صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات ورد في حديث صحيح يرويه الطبراني في معجمه أن صاحب الشمال يرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها، وإلا كتبت عليه.