للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفاوت رؤية المخلوقات للملائكة والشياطين]

نحن ليس عندنا القدرة على إبصار الملائكة، لكن بعض الحيوانات لها القدرة على إبصار الملائكة كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنه رأى شيطاناً، وإذا سمعتم صياح الديكة فسلوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً)، فالديك عنده قدرة على أن يبصر الملك، ونحن نعلم أن هناك مخلوقات تستطيع أن ترى ما لا نرى، فهناك حيوان يرى الأشعة فوق البنفسجية، ويستطيع في اليوم الغائم شديد الغيم أن يرى الشمس، والبوم عنده القدرة على أن يرى الأشياء الحية في ظلمة الليل، ويرى الفأر في ظلام الليل الدامس، فهو يستطيع أن يرى بالحرارة، فالحرارة المنبعثة من جسد الحيوان تجعل عنده القدرة على الرؤية، هذه الأشعة يسمونها الأشعة تحت الحمراء.

فالمخلوقات متفاوتة، وعجائب الله في خلقه لا تحصى ولا تعد، فالديك عنده القدرة على أن يبصر الملائكة، كما أن الحمار يبصر الشيطان، والبشر يستطيعون أن يروا الملائكة في حالة واحدة إذا تشكلوا، ونادراً ما يستطيع البشر أن يرى الملك على حقيقته، وهذا حدث مع الرسول صلى الله عليه وسلم مرتين فقط؛ لذلك يعتبر تعنتاً من الكفار أن يطلبوا رؤية الملائكة في الدنيا في وضح النهار، قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا * يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان:٢١ - ٢٢]، والملائكة تظهر للإنسان في حالة العذاب عندما يعذب الله الناس في الآخرة، ولكن في الدنيا ليس عندنا قدرة على أن نتحمل رؤية الملائكة على صورهم وعلى حقيقتهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى جبريل ذهب مرعوباً إلى زوجته، وذلك حين رآه على صورته الحقيقية.

وعندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأتيه جبريل يتصل به فيوحي إليه بطبيعته الملائكية كان هذا شاقاً على الرسول صلى الله عليه وسلم وصعباً عليه، فلذلك من رحمة الله بنا ألا نستطيع أن نرى الملائكة، فهم يحيطون بنا، ولو كان عندنا القدرة على إبصارهم لما استطعنا أن نعيش، ومن رحمة الله كذلك أننا نسمع كل هذه الأصوات التي في الدنيا، ولو كان أذن الإنسان كالراديو يستقبل كل الموجات، ويستقبل كل الحركات التي في الدنيا لما استطاع أن يعيش، فهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى ألا يرى الإنسان كل هذه العوالم، وليس هذا عيباً في الإنسان بل كمال في الإنسان أنه لا يستطيع أن يسمع ولا يرى كل هذه العوالم التي تحيط به، ويقول الله سبحانه وتعالى مجيباً على الكفار: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} [الإسراء:٩٥] أي: نرسل لهم رسولاً من جنسهم ومن طبيعتهم، حتى ولو أراد الله أن ينزل ملائكة لا ينزلهم بصورتهم الحقيقية، قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام:٨ - ٩]، فول أنزل الله ملكاً لجعله بصفات الرجال حتى يستطيع أن يؤدي ما يريد ويتفاهم مع الناس.

والحقيقة كما أخبر الله أن هؤلاء الذين كانوا يطلبون هذا الإعجاز بأن تأتي إليهم الملائكة تكلمهم وتخاطبهم هو تعنت منهم، ولا يريدون من ورائه الحقيقة؛ ولذلك قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام:١١١].