للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الوحدة العقائدية]

قالت اليهود: نحن أبناء الله وأحباؤه، وقالت النصارى: نحن أبناء الله وأحباؤه، وقالت العرب: نحن خير منكم، وكل أمة تدعي أنها هي الأفضل، وكل أمة تدعي أنها على طريقة إبراهيم، العرب يقولون: أبونا إبراهيم باني الكعبة، وابنه إسماعيل نحن من سلالته فنحن أفضل الناس، واليهود يقولون: نحن على طريقة إبراهيم، والنصارى يقولون: نحن على طريقة إبراهيم، والله تبارك وتعالى كذَّبهم في ذلك، فقال: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} [آل عمران:٦٧]، قالت اليهود: نحن أبناء الله وأحباؤه، وقالوا: ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى: ليست اليهود على شيء، كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم أي: العرب، {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} [البقرة:١٣٥]، خلاف بين الأمم على قضية من هم المهتدون والأمة الفاضلة؟ فالله قرر الحق بأن إبراهيم كان حنيفاً مسلماً قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:١٣٠ - ١٣٣].

فهذا هو ميراث محمد صلى الله عليه وسلم من أبيه إبراهيم: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران:٦٨]، فنحن على ملة إبراهيم، وكانت ملته التوحيد وعبادة الله تبارك وتعالى وحده، فهذه الأمة التي استقامت على أمر الله أمة واحدة؛ لأنها تعبد إلهاً واحداً تعرفه وتتوجه إليه، ولا تشرك به شيئاً، لا تقول كما قالت اليهود: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:٣٠]، ولا كما قالت النصارى: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:٣٠]، ولا كما قالت العرب: الملائكة بنات الله، فاختلفوا في دينهم وافترقوا، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بفرقتهم، اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة فيما بينهم وكفر بعضهم بعضاً، وظلم بعضهم بعضاً، وابتعدوا عن الحق، وورثنا نحن من ربنا تبارك وتعالى بهدي منه الحق وعرفناه، عرفنا ملة إبراهيم أنه دين الحنيفية والتوحيد، فكانت تلك وحدة، فوحدة العقائد والقلوب أهم من وحدة الأجساد، نحن نعرف ربنا، ونعرف صفاته، وكيف نعبده، وكيف نستقيم على أمره، ونعرف رسولنا صلى الله عليه وسلم، ونعرف كتابنا، ونعرف أن الذي جاء بهذا الكتاب من عند الله هم الملائكة، ونعرف اليوم الآخر، وعندنا تصور عن هذا الكون، هذه هي الوحدة الأولى.