للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستقامة على شريعة القرآن أهم أسس وحدة العمل الإسلامي]

الوحدة الثانية: أننا مستقيمون على شريعة الله تبارك وتعالى، فالله جعل لكل أمة شرعة ومنهاجاً، وخصنا بشريعة هي شريعة القرآن، قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} [الجاثية:١٨]، فميزتنا من بين الأمم، وجعلت لنا منهجاً وسبيلاً، فمن ذلك أنه خصنا بقبلة دون بقية الأمم، قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ * وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} [البقرة:١٤٤ - ١٤٥]، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:١٤٣] وخصنا من بين الأمم بشريعة ميزتنا، وأصبحت لنا منهجاً وطريقاً وسبيلاً، وخالفنا بها اليهود في طريقتهم ومنهجهم، وأصبحنا بها أمة متميزة عن بقية الأمم، وكان من أمر هذه الوحدة أن أخبرنا ربنا بأن أصلنا واحد، (كلكم لآدم وآدم من تراب) لا فضل لعجمي على عربي، ولا لعربي على عجمي، ولا لأسود على أبيض، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣]، أنت بلونك لا تفضل أخاك، وبعروبتك لا تفضل غيرك، فهذه المقاييس جعلها الله ليتعارف الناس فيما بينهم، هذا من تميم! وهذا من قريش! وهذا من بني مخزوم! هذه للتعارف فقط، أما حقيقة البشر فهي حقيقة واحدة ليس فيها تصادم، وليس هناك أناس أصلهم ذهب، وأناس أصلهم فضة، وآخرون أصلهم حديد، لا، البشر أصلهم واحد، فلا ينبغي لأحد أن يفخر على أحد إلا بالتقوى والإيمان والعمل الصالح، ورسالة الله هي إلى البشرية كلها، والبشرية كلها يمكن أن تجتمع كمجتمع واحد تظللنا هذه الشريعة، وهذا معنى قولنا: إن الشريعة عالمية، وإن الدين عالمي، أما قوانين البشر ومناهجهم فكل يضع له منهجاً وسبيلاً، وشريعة الله هي للبشرية كلها، وحدة قائمة على أصول وحدت بين الناس فاصطنعت مجتمعاً، فأي مجتمع هذا الذي صنعته؟! صنعت المجتمع الإسلامي الأول في المدينة، فـ أبو بكر عربي وعمر وعثمان وعلي كلهم من قريش، ورجال من المدينة من الأوس والخزرج، وأقوام من قبائل مختلفة، وبلال حبشي، وسلمان فارسي، ودخل أناس في دين الله وأصبحوا يتآخون فيما بينهم، ويتآلفون ويتحابون ويتناصرون ويتراحمون ويجاهدون في سبيل الله.