للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر الترغيب والترهيب في الإقبال على العمل وتركه]

ولقد عَلِمَ الله سبحانه وتعالى من الإنسان أنه لا يتحرك ولا يندفع اندفاعاً ذاتياً قوياً إلا إذا وضع له الله سبحانه وتعالى دواعي تجذبه نحو العمل، لذلك فإن الأمور التي يحبها الإنسان ويعشقها لم يوجبها الله عليه بل أباحها له؛ لأن هناك دواعي تدعوه إلى فعل هذا مثل تناول الطعام والشراب والنكاح، مع أن هذه الأمور مطلوبة شرعاً، فلو جاء إنسان يحرم على نفسه الطعام والشراب أو أنواعاً من الطعام وأنواعاً من الشراب أو يحرم شيئاً من النكاح فإنه يكون آثماً في الشريعة الإسلامية، لكن الشارع لم يوجبها اكتفاء بالدافع النفسي الموجود في أعماق الإنسان من داخله، أما الأمور التي فيها مشقات، ونفس الإنسان لا تقبل عليها بسهولة، فإن الإسلام جعل لها أموراً تزكيها عنده، فأقام لها الشارع دواعي من خارج نفس الإنسان بأن جعل لها الأجر العظيم والثواب الجزيل.

وفي المقابل جعل على الأمور التي يندفع إليها الإنسان وهي مكروهة في الشرع العقاب الشديد؛ ولذلك فنحن بحاجة إلى أن نذكر أنفسنا باستمرار بما جعله الشارع من ثواب على الأفعال التي يحبها والتي طلبها منا.

فقد خلق الله تعالى نفس الإنسان بهذا الشكل، فنحن نحب الخير لأنفسنا، ولذلك نجد الحافظ المنذري يكتب ثلاثة مجلدات في الترغيب والترهيب، وقد بين القرآن وبينت السنة تفاصيل الأعمال التي يعملها الإنسان، والتي يحب الله من الإنسان أن يعملها، والأجر العظيم المترتب عليها، فالإنسان عندما يتفكر في الأجر المترتب عليها يندفع لعملها، فعندما يقرأ آكل الربا قول الله عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:٢٧٥]، وعندما يقرأ آكل مال اليتيم قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء:١٠]، وعندما يقرأ الذين يكنزون المال قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:٣٤ - ٣٥]، وعندما نقرأ جزاء الكافرين في قوله سبحانه: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:١٩ - ٢٢]، ثم نقرأ ثواب المؤمنين: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج:٢٣ - ٢٤]؛ نجد أن النفوس والقلوب تميل وتقبل على العمل، وعندما تقرأ في الثواب والأجر تحاول أن تتخذ الوسيلة التي شرعها الله سبحانه وتعالى للحصول على هذا الثواب.

فعندما يسمع المسلم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، ويسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقوله: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)؛ يقبل على هذا، ويتخذ الوسيلة التي تؤدي إلى هذه الغاية الكبيرة.

وعندما يسمع ما أعد الله للكافرين يهرب ويفر من هذا العمل الذي سيوصله إلى غضب الله وسيوقعه في هذا البلاء العظيم، فنحن بحاجة إلى أن نعلم أن آيات القرآن امتلأت بذكر الوعيد، وبذكر ما يناله المؤمنون في الدنيا وفي الآخرة وما يناله الأتقياء والصالحون، فهذا ليس عبثاً، وتكوين الإنسان بهذا الشكل ليس عبثاً، والذين حاولوا أن يغفلوا هذا الأمر أضروا بالمسلمين ضرراً بالغاً، مثل الصوفية الذي يقول قائلهم: ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك! فالذين ما عبدوه لأجل هذا، أضروا بالناس ضرراً كبيراً، وأصبح بسطاء المسلمين يحاولون أن يصلوا إلى هذه المثالية المزعومة فيجدون نفوسهم تأبى ولا تستطيع أن ترتفع حتى لا تطلب جنة ولا تهرب من نار، ثم إذا أهملوا الجنة وأهملوا النار فترت عزائمهم وضعفت نفوسهم وأصبحوا لا يتقبلون المواعظ وتركوا العمل.

فهذا أحدث شرخاً في تاريخ المسلمين وفي نفوسهم، وهذا مناقض لمنهج الله سبحانه وتعالى، فلو عقلوا لما اختاروا شيئاً ما اختاره الله سبحانه وتعالى لهم، أما المنهج الذي يصف الله به رسله وأنبياءه والصالحين وأمر عباده أن يسلكوه وبصرهم به: هو أن يعبد الله بالخوف والرجاء، وما ذلك إلا لأن الإنسان بغير هذا لا يندفع إلى العمل الصالح.