للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفريج الهموم وكشف الغموم]

من ثمرات العمل الصالح: أنه سبب لتفريج الهموم، وكشف الغموم والكربات، وأنه سبب لقضاء الحاجات، وإجابة الدعوات.

قال سبحانه: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء:٨٣ - ٨٤].

وقال سبحانه عن ذي النون: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:٨٧ - ٨٨].

وقال سبحانه عن زكريا: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء:٨٩ - ٩٠]، ثم اسمعي ماذا قال الله عنهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:٩٠]؛ لأنهم كانوا من المسارعين في الخيرات، ولأنهم من الذين تقربوا إلى الله بالأعمال الصالحات، فلذلك استجاب الله دعاءهم، وفرج همومهم، وقضى حوائجهم: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:٨٨]، والله يستجيب لكل من سار ولكل من سارت على نفس الطريق، فقد جاء في الحديث عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم)، والشاهد من الحديث: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم.

أخية! تخيلي الموقف: كهف وظلمة، لا ماء ولا طعام ولا هواء، وقد انقطعت بهم السبل، وأغلقت عليهم الأبواب ولم يبق إلا باب واحد وهو باب السماء، الباب الذي لا يغلق أبداً، فتشاوروا فيما بينهم، وقالوا: (إنه لا ينجيكم إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فدعا الأول ببره لوالديه)، واسمعي فضل بر الوالدين (فقال: اللهم! إنه كان لي أبوان شيخان كبيران لا أقدم عليهما مالاً ولا ولداً، وكنت إذا غبق -يعني: أحضرت- الحليب واللبن لا أسقي قبلهما أحداً، ولا أقدم عليهما أحداً، وأخرني طلب الحطب يوماً فجئت فإذا بالشيخين نائمين، فوقفت على رأسيهما وصغاري من حولي يتضاغون من الجوع حتى طلع الفجر فسقيتهما، ثم دعا وقال: اللهم! إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه)، فانظري يا رعاك الله! إلى الإخلاص، وإلى دعاء الله، والتوسل إليه بالعمل الصالح، فالتوسل إلى الله بالأعمال الصالحة من التوسل المشروع، (فقال: اللهم! إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً قليلاً لا يستطيعون معه الخروج، ثم قال الثاني: وأما أنا فكانت لي ابنة عم أحب ما تكون المرأة إلى الرجل، فراودتها عن نفسها) يعني: طلبها بالحرام (فامتنعت حتى ألمت بها ضائقة، وجاءت تطلب حاجتها، فقلت لها: لا أعطيك حتى تمكنيني من نفسك، فرضخت مرغمة محتاجة، فأعطيتها مائة وعشرين ديناراً من الذهب، فلما جلست منها كما يجلس الرجل من المرأة قالت لي كلمة) اسمعي ما قالت (قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه)، الله أكبر إنها كلمة عظيمة لو وصلت إلى القلوب (قالت له: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، يقول: فقمت عنها -وهي أحب ما تكون المرأة إلى الرجل- ثم دعا الله وتضرع فقال: اللهم! إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه)، فترك الفاحشة عندما ذكر بالله وخوف بالله، وعندما قيل له: اتق الله! فكم يقال لنا في هذا الزمان: اتقوا الله ولا تفعلوا كذا؟! ولا تقولوا كذا؟! وقليل هم الذين يستجيبون لأمر تقوى الله تبارك وتعالى، بل البعض قد يغضب إذا قيل له: اتق الله، أما قال الله لنبيه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:١]، وخاطب الله عباده فقال: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:٢٨١]، (قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه يقول: فقمت عنها وهي أحب ما تكون المرأة إلى الرجل، ثم قال: اللهم! إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً قليلاً لا نستطيع معه الخروج، ثم دعا الثالث وقال: وأما أنا فكان لي أجراء يعملون عندي بأجر، حتى إذا انتهوا من عملهم أعطيت كل واحد منهم أجرته إلا واحداً ترك أجرته ومضى، فاستكثرت هذه الأجرة ونميتها حتى أصبحت خيراً كثيراً، فجاءني بعد حين يطلب أجرته، قلت له: ترى ما في هذا الوادي من دواب -من إبل، ومن بقر، ومن عبيد- هي كلها لك، قال: أتسخر مني؟ قلت: لا، هي كلها لك، فساقها ولم يترك منها شيئاً، ثم دعا وقال: اللهم! إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون)، وكان هذا جزاء العمل الصالح، وليس أي عمل صالح وإنما العمل الصالح الذي اقترن بالصدق والإخلاص مثل: بر الوالدين، وما أدراك ما بر الوالدين، فكم يشتكي الآباء والأمهات من عقوق الأبناء والبنات؟ وكم يشتكون من التطاول ورفع الأصوات عليهم، ويشتكون من قلة أدب الأولاد والبنات، فأين بر الوالدين في هذا الزمان؟ بل من هو الذي سيدعو الله ببره لوالديه؛ حتى يفرج الله همه، ويجيب دعوته؟! وأما الفاحشة وتركها فحدث ولا حرج، فشباب المسلمين الآن يقطعون المسافات، والأراضي الشاسعات؛ حتى يعاقروا الفاجرات والمومسات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وأما الأُجراء فكم يشتكي الخدم والخادمات من تضييع الحقوق، ومن تضييع الواجبات.

فالأول: دعا ببره بوالديه، والثاني: بتركه للفاحشة، والثالث: بإعطاء الأجير أجره، قد تظنين أنها أعمال بسيطة، لكن الأعمال البسيطة إذا اقترنت بالصدق والإخلاص كانت كبيرة عند الله الذي قال: {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:١٩٥]، فالعمل الصالح سبب لتفريج الهموم وكشف الغموم.

يا صاحب الهم إن الهم منفرج أبشر بخيرٍ فإن الفارج الله إذا بليت فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله إذا قضى الله فاستسلم لقدرته ما لامرئ حيلة فيما قضى الله اليأس يقطع أحياناً بصاحبه لا تيأسن فإن الصانع الله ومن داوم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه الله من حيث لا يحتسب.