للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى الحساب]

يوم القيامة مشهد جليل عظيم نسأل الله أن ينجينا فيه بفضله ومنه وكرمه، فما معنى الحساب عباد الله؟! معنى الحساب: أن يُوقف الحق تبارك وتعالى عباده بين يديه، ويعرفهم بأعمالهم التي عملوها، وأقوالهم التي قالوها، وما كانوا عليه في الدنيا من إيمان وكفر، واستقامة وانحراف، وطاعة وعصيان، وما يستحقونه على ما قدموه من إثابة وعقوبة، ثم يُعطون الكتب إما بالأيمان إن كانوا صالحين، وإما بالشمال إن كانوا طالحين، ويشمل الحساب ما يقوله الجبار لعباده وما يقولونه له، وما يقيمه عليهم من حجج وبراهين، وشهادة الشهود، ووزن الأعمال.

وأما نوع الحساب عباد الله! فعسير ويسير، ومنه حساب التكريم والتوبيخ، ومنه الفضل والصفح والعفو، والذي يتولى ذلك كله هو أكرم الأكرمين وأسرع الحاسبين، وقيوم السماوات والأراضين.

وشعار محكمة ذلك اليوم: {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:١٧]، (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، فهو العدل سبحانه ولو عذب عباده جميعاً لم يكن ظالماً لهم؛ لأنهم عبيده وملكه، والمالك يتصرف في ملكه كيف يشاء.

أيا من ليس لي منه مجير بعفوك من عذابك أستجير أنا العبد المقر بكل ذنب وأنت الواحد المولى الغفور إن عذبتني فبسوء فعلي وإن تغفر فأنت به جدير أفر إليك منك وأين إلا إليك يفر منك المستجير ولكن الحق تبارك وتعالى يحاسبهم محاسبة عادلة تليق بمحكمته وعدله وعظمته وجلاله، وقد بين لنا سبحانه في كثير من النصوص جملة من القواعد التي تقوم عليها المحاكمة، فمنها: العدل التام الذي لا يشوبه الظلم، قال عز وجل: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء:٤٧].

ومن قواعد تلك المحكمة: أن الله لا يؤاخذ أحداً بجريرة أحد، قال سبحانه: ((وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وقال: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:٣٨].

ومن تلك القواعد أيضاً: إطلاع العباد على ما قدموه من أعمال، قال عز وجل: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:٣٠].

ومن قواعد المحاكمة في ذلك اليوم: إقامة الشهود على الكفرة والمنافقين والفجرة، قال عز وجل: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:٦٥]، وقال سبحانه: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:٢٤ - ٢٥].

عباد الله! نفعنا الله بالقرآن العظيم وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.