للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من راقب الله نال رضاه]

والله ما صعد يوسف عليه السلام ولا سعد إلا في مثل ذلك المقام: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:٤٠ - ٤١].

من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل لا ظله رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، وآخر دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله.

أف للذنوب ما أقبح آثارها، وما أسوأ أخبارها، وهل تحدث الذنوب إلا في الغفلات والخلوات! يا من لا يقصر لحظة عما يشتهي قل لي من أنت، وما علمك، وإلى أي مقام ارتفع قدرك؟ بالله عليك أتدري من الرجل؟ الرجل والله من إذا خلا بما يحب من المحرم وقدر عليه تذكر وتفكر وعلم أن الله يراه، ونظر إلى نظر الحق إليه فاستحيا من ربه كيف يعصيه وهو يراه.

هيهات هيهات! والله لن تنال ولاية الله حتى تكون معاملتك له خالصة، والله لن تنال ولايته حتى تترك شهواتك، وتصبر على مكروهاتك، وتبذل نفسك لمرضاته، إن أقواماً أحبهم فأحبوه، واشتاق للقياهم فاشتاقوا إليه.

رأى عبد الله بن عمرو الأنصاري ليلة أحد أنه يقتل فأوصى جابراً بأمه وأخواته خيراً فقالت الأم: أين الملتقى يا أبا جابر؟ قال: الملتقى الجنة.

فخرج يريد الموت ويتمناه فأعطاه الله ما تمنى، مقبلاً غير مدبر، فحزن عليه ابنه جابر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع، وإن الله كلم أباك كفاحاً ليس بينه وبينه ترجمان، فقال: تمن يا عبدي! فقال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فتمن يا عبدي! قال: رب أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك! قال: فإني أحللت عليك رضواني فلا أسخط عليك أبداً.

ثم جعل الله روحه وأرواح إخوانه الذين قتلوا معه في حواصل طير خضر ترد الجنة فتأكل من ثمارها وتشرب من أنهارها وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش حتى يرث الأرض ومن عليها، {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لََهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:٣٢ - ٣٥]).

في كل يوم للجنان قوافل شهداء راض عنهم العلام ماذا أقول بوصف ما قاموا به عجز البيان وجفت الأقلام لله در ضياغم من أسدنا لعظائم الأعمال فيها قاموا من كل عاف للحياة مجاهداً وسلاحه الإيمان والإقدام عظموا الله فخافوه، فعظموا أوامره ونواهيه.

كيف لا يعظمونه والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون، كيف لا يعظمونه وهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.