للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أجمل وأحلى الأوقات]

أجمل الأوقات هي ساعات الإجابة.

فمنها: عند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبة، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم.

ما أجمل وأحلى تلك الساعات! أما أجمل منها وأحلى منها: فثلث الليل الأخير ساعة السحر، كيف لا وهو وقت النزول الإلهي، أخرج أحمد في مسنده وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل الله عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول: من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ من ذا الذي يسترزقني فأرزقه؟ من ذا الذي يستكشف الضر أكشفه عنه؟ حتى ينفجر الفجر).

قال سبحانه: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران:١٧].

جاء في كتب التفاسير أنه لما قال أبناء يعقوب له: {اسْتَغْفِرْ لَنَا} [يوسف:٩٧] أخرهم إلى السحر لقوله: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ} [يوسف:٩٨].

وفي الزهد لـ ابن حنبل: (أن داود عليه السلام سأل جبريل عليه السلام: يا جبريل! أي الليل أفضل؟ قال: يا داود! لا أدري إلا أن العرش يهتز من السحر).

قلت لليل هل في جوفك سر عامر بالحديث والأخبار قال لم أر حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار! قال صلى الله عليه وسلم: (إن من الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه، وذلك كل ليلة)، فأين السائلون؟! فيا ألله ما أحلى حديثهم ودموعهم، ومناجاتهم في تلك الساعات! فقائل منهم يناجي ويقول: يا خير معبود، ويا خير مسئول، وخير مشكور، ويا خير محمود، ويا خير مقصود، أحلى العطايا في قلبي رجاؤك، وأعذب الكلام على لساني ثناؤك، اللهم أغلقت الملوك أبوابها، وقام عليها حراسها وحجابها، وبابك مفتوح للسائلين، نامت العيون، وغارت النجوم، وعينك لا تنام يا حي يا قيوم.

وآخر يردد ويقول: إلهي! فرشت الفرش، وخلا كل حبيب بحبيبه، وأنت حبيب المتهجدين، وأنيس المستوحشين.

إلهي! إن طردتني عن بابك، فإلى باب من ألتجي، وإن قطعت عني خدمتك، فخدمة من أرتجي.

إلهي! إن عذبتني فإني مستحق العذاب والنقم، وإن عفوت فأنت أهل الجود والكرم.

إلهي! أخلص لك العارفون، وبفضلك نجا الصالحون، وبرحمتك أناب المقصرون، يا جميل العفو أذقني برد عفوك، إن لم أكن أهلاً لذلك، فأنت أهل التقوى وأهل المغفرة.

فاز -والله- من سبح والناس هجوع، يدفن الرغبة ما بين الضلوع يغشاه سكون وخشوع بذكر الله والدموع هموع سوف يغدو - والله - ذلك الدمع شموع كان بعض السلف يقول: اللهم إن منعتني ثواب الصالحين، فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته، اللهم إن لم ترض عنا فاعف عنا يا أرحم الراحمين.

أين أحباب الرحمن؟! أين خطاب الجنان؟! يا قوام الليل في الأسحار! اشفعوا في النوام، يا أحياء القلوب! ترحموا على الأموات.

يقول مالك بن دينار: سهوت ليلة عن وردي ونمت، فإذا أنا في المنام بجارية كأحسن ما يكون وبيدها رقعة، فقالت: أتحسن القراءة؟ فقلت: نعم، فدفعت إلي الرقعة فإذا فيها: أألهتك اللذائذ والأماني عن البيض الأوانس في الجنان تعيش مخلداً لا موت فيها وتلهو في الجنان مع الحسان تنبه من منامك إن خيراً من النوم التهجد بالقران يقول ابن القيم: عجباً لمن آثر الحظ الفاني الخفيف على الباقي النفيس! فباع جنة عرضها الأرض والسماوات بسجن ضيق بين أرباب العاهات! عجباً للجنة كيف نام طالبها، وكيف لم يدفع مهرها خاطبها! وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها؟! تأمل في قول أهل الجنان: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:٢٨]، فكيف غفلت عن تلك الساعة التي ينزل الله فيها إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وعظيم سلطانه فيقول: هل من تائب؟! هل من داع؟! والله لو قام أهل الحاجات وأهل الذنوب في الأسحار، وسألوا مولاهم، وقدموا الطلبات، ورفعوا الحاجات، وأتبعوها بالاستغفار والآهات، لرقت قلوبهم، وقضيت حاجاتهم، وسترت عيوبهم، وغفرت ذنوبهم، وأقيلت العثرات، ومحيت الزلات.

والله لو شممت رحيق الأسحار لاستفاق منك قلبك المخمور.