للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب الحديث عن اليوم الآخر]

لماذا الحديث عن اليوم الآخر؟

و

الجواب

أن ذلك لأسباب عدة: أولاً: الغفلة التي استحكمت على حياة كثير من المسلمين، قال سبحانه: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} [الأنبياء:١ - ٣] أي: بكثرة اللهو وكثرة المغريات.

ثانياً: انشغال الناس بالدنيا وعمارتها أكثر من اشتغالهم بالاستعداد لليوم الآخر، قال سبحانه: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:٢٨١].

ثالثاً: أن الإيمان بالله واليوم الآخر وما فيه من الثواب والعقاب هو الموجه الحقيقي لسلوك الإنسان، فهناك فرق بين سلوك من يؤمن بالله واليوم الآخر، وسلوك من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، فمن علم أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأن الأعمال الصالحة هي زاد الآخرة لم ينشغل بعمارة الدنيا عن عمارة الآخرة، قال سبحانه: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:١٩٧]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من جعل الهموم هماً واحداً - أي: هم الآخرة - كفاه الله هم الدنيا وهم الآخرة) فهناك فرق بين سلوك من يؤمن بالله واليوم الآخر وسلوك ضعيف الإيمان.

قال صاحب الظلال: فالمصدق بيوم الدين يعمل وهو ناظر لميزان السماء لا لميزان الأرض، ولحساب الآخرة لا لحساب الدنيا.

انتهى كلامه رحمه الله.

فتجد المؤمن بالله واليوم الآخر له نظرة مختلفة للحياة، فترى فيه استقامة على دين الله، وترى فيه سعة تصور وقوة إيمان، وترى فيه ثباتاً في الشدائد وصبراً على المصائب، فهو يعلم أن ما {عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الشورى:٣٦].

وأما الذي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر وما في ذلك اليوم من حساب وجزاء فهو يحاول جاهداً أن يحقق مآربه في هذه الحياة، لاهثاً وراء متعها، وحريصاً على جمعها، قد جعل الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه، فهو يقيس الأمور بالمنفعة الشخصية والخاصة، ولا يلتفت إلى بني جنسه إلا في حدود ما يحقق له المصالح فتباً له ولأمثاله.