للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرص النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الجماعة]

كان سيد العابدين صلوات ربي وسلامه عليه حريصاً على صلاة الجماعة في أشد الأحوال، وفي أصعب الظروف، روى البخاري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: (دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: ألا تحدثيني عن مرض النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: بلى، قالت: ثقل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك، قال: فضعوا لي ماء في المخضب، قالت: ففعلنا فاغتسل فقام لينوء -يعني: ليقوم- فأغمي عليه -بأبي هو وأمي- ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: ضعوا لي ماء في المخضب، قالت: فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه فسقط، ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله! فقال: ضعوا لي ماء في المخضب فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه الثالثة، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله! والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس)، الله أكبر! كم كان حريصاً عليه الصلاة والسلام على صلاة الجماعة، يشتد مرضه فيغتسل ثم يغمى عليه فيفيق فيغتسل ثم ثانية وثالثة، كل ذلك لعله يجد خفة ونشاطاً يمكنه بفضل الله تعالى من حضور صلاة الجماعة، فكيف كانت تلك الخفة؟ وكيف كان خروجه صلى الله عليه وسلم، اسمع ما رواه البخاري قال: (فوجد النبي صلى الله عليه وسلم خفة فخرج يهادى بين رجلين، كأني أنظر رجليه تخطان من الوجع)، سبحان الله! لم يكن صلى الله عليه وسلم يتمكن من المشي إلا اعتماداً على رجلين، ولم يكن يقدر على تمكين رجليه على الأرض لشدة ضعفه، ومع هذا ما تخلف عن صلاة الجماعة مع شدة مرضه وشدة تعبه، فلماذا يتخلف الأقوياء؟! ولماذا ينام الأصحاء؟! أين نحن من هؤلاء؟! أما آن أن نفيق ونستيقظ؟! خرج المصطفى عليه الصلاة والسلام ليبين للناس أن العابدين لا يتخلفون عن الصلوات في المساجد، خرج ليبين أن العابدين لا يصنعون إلا في المساجد والمحاريب، فأي استقامة لا تنطلق من المسجد والمحراب لا خير فيها.

إن سجود المحراب واستغفار الأسحار ودموع المناجاة من أهم صفات الصادقين والعابدين، ولئن ظن أهل الدنيا أن جنتهم في الدينار والنساء والقصور، فإن جنة العابدين في محرابهم في خلواتهم بربهم، أما سمعت قول الله لزكريا: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران:٣٩]، إن خلوات العباد في المحاريب تربية لهم، وتيجان على رءوسهم أحلى من التيجان التي على رءوس الملوك.