للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مصالحة النبي لغطفان في غزوة الأحزاب]

لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحصار والمؤامرات أراد أن يخفف على أهل المدينة، فإنهم جياع لا يجدون ما يأكلون، وحفاة لا يجدون ما ينتعلونه، ومحاصرون من كل الجهات -وهاهي الفلوجة اليوم تشهد نفس الموقف، ونفس المؤامرات- فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الأحوال دعا قادة غطفان، وقال لهم: (تعالوا إلى أمر بيننا وبينكم سواء)، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن غطفان خرجت للغنيمة لا للثأر من المسلمين، قال لهم وقد خرجوا في أربعة آلاف من العشرة آلاف: نعطيكم نصف ثمار المدينة على أن تفكوا الحصار عن المدينة وترجعوا، فوافقوا، فكتبت الوثيقة ولم يشهد عليها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أستشير أهل المدينة أولاً) فأتى بالسعدين: سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فاستشارهم وعرض عليهم الأمر وقال لهم: إني قد عرضت على غطفان كذا وكذا على أن يفكوا الحصار عن المدينة ويرجعوا، فماذا تقولون؟ فقال سعد بن معاذ -الذي اهتز لموته عرش الرحمن-: يا رسول الله! أمر تحبه أم أمر أمرك الله به، أم أمر تصنعه من أجلنا؟ فإن كان الأمر من الله فليس لنا إلا السمع والطاعة، وإن كان الأمر منك: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:٨٠]، وإن كان أمر تصنعه من أجلنا فلنا في الأمر مقال، قال: بل أصنعه من أجلكم، قالوا: يا رسول الله! كنا وهؤلاء القوم على كفر وشرك لا يعلمه إلا الله -حين كنا وإياهم على الكفر والشرك- كانوا لا يأكلون طعامنا إلا قرىً، ولا يأخذون أموالنا إلا بحقها، واليوم بعد أن أعزنا الله بالإسلام نعطيهم أموالنا؟! واليوم بعد أن أظهرنا الله بالقرآن وزيننا بالإيمان نعطيهم أموالنا؟! والله ليس بيننا وبينهم إلا السيف، في مثل هذه الظروف تخرج عزة المؤمنين، {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٣٩] سحابة صيف وستنقشع: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:٢٢٧].

فالمطلوب: صدق التوكل، والتفاؤل في كل حال من الأحوال، والثقة والتبشير بنصر الله جل في علاه: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:١٧١ - ١٧٣]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله زوى لي الأرض، فأريت مشرقها ومغربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها)، إنها ثقة ويقين بنصر الله ووعده: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:٢٢٧].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.