للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال السماوات والأرض يوم القيامة]

لو كان الإيمان بالله وباليوم الآخر قد خالط القلوب وتمكن منها لما غفلت عن ربها تبارك وتعالى، واسمع إلى هذه الشدائد والأهوال إن كان لك قلب، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه:١٠٥ - ١٠٨].

واسمع رعاك الله! فالحديث لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، من سره أن يرى القيامة رأي العين فليسمع هذه الآيات: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:١ - ١٤].

نعم، إن في هذا الحديث حياة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

فبنفخة واحدة بدأت القيامة، وبنفخة أخرى يبدأ البعث والنشور، وبعد النفخة الثانية: {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:٦٨] إنه الخروج من القبور، والسير إلى أرض المحشر، قال تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:٤٣ - ٤٤] وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه:١٠٨]، وقال سبحانه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه:١١١] فيسعون إلى أرض المحشر في سكون وخشوع لا تسمع منهم إلا صوت الأقدام والهمسات، ثم يقبض الجبار السماوات بيمينه والأرضين بيده الأخرى، ثم يقول: (أنا الملك، أين الجبارون؟! أين المتكبرون؟ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧]).

وعن عبيد الله بن مقسم أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الموقف، قال: (يأخذ الله عز وجل سماواته وأراضيه بيديه فيقول: أنا الله ويقبض أصابعه ويبسطها فيقول: أنا الملك، يقول ابن عمر: حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفله حتى إني لأقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟).

وأما أرض المحشر -أحبتي- فأرض غير هذه الأرض، وأما سماؤه فسماء غير هذه السماء، قال سبحانه: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:٤٨].