للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علامات وإشارات على قرب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم]

عباد الله! إن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أعظم مصيبة وأعظم حدث مر على أمة الإسلام، وكل حدث مهم تسبقه علامات وإشارات تشير إلى وقوعه، فمن تلك الإشارات الدالة على موته عليه الصلاة والسلام فتح مكة، وإقبال الناس على دين الله أفواجاً، وأنزل الله عليه في حجة الوداع: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:٣]، فلما سمعها عمر رضي الله عنه قال: ما بعد التمام إلا النقصان.

ونزلت عليه في أواسط أيام التشريق: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:١ - ٣]، فهذه الآيات والأحداث مؤشرات تدل على أن مهمته صلى الله عليه وسلم قد انتهت، وأن عليه الإكثار من الدعاء والاستغفار، والاستعداد للقاء الرفيق الأعلى، نعم لقد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فأخذ بعد عودته من حجة الوداع يرغب أصحابه بكثرة ملازمته والجلوس معه قبل أن يحرموا ذلك حتى قال لهم يوماً: (والذي نفس محمد بيده ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني، ثم لئن يراني أحب إليه من أهله وماله)، فبكى أصحابه رضوان الله عليهم، وبدءوا يستشعرون أن حبيبهم بدأ يودعهم، وفي أواخر الأيام خرج إلى أحد وصلى على الشهداء كالمودع للأحياء والأموات، فلما رجع انصرف إلى المنبر فقال: (يا أيها الناس! إني فرطكم، وإني شهيد عليكم، وإني لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم من الدنيا أن تنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم).

كل هذه العبارات دلائل ومؤشرات تدل على قرب الأجل، والنهاية التي لا بد منها لكل كائن كان، فالكل سيموت إلا ذا العزة والجبروت.