للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب انتشار الزنا]

أسباب انتشار الزنا في زماننا عديدة من أهمها ما يلي: أولاً: القنوات والتبرج والسفور: إن إثارة الغرائز في كل مكان هو من أعظم أسباب انتشار الرذيلة، ففي البيوت شاشات وقنوات، ومجلات وأغان ماجنات، وفي دراسة أجريت على أكثر من خمسمائة فيلم يعرض على هذه الشاشات والقنوات، تبين أن (٧٠%) من موادها إثارة جنسية، ودعوة إلى الجريمة والسرقة ومفاسد الأخلاق، كيف لا يتأثر البنون والبنات بمثل هذا؟!! إن خرجنا إلى الشارع وجدنا نساء كاسيات عاريات في كل الطرقات! أين نذهب إذاً؟! وأين يفر الشباب من الفتن؟! شاشات وقنوات ملئت بها البيوت يشاهدها الصغير والكبير بلا حياء، وبلا رقيب ولا حسيب، وأغان صباحاً ومساءً تدعو إلى مثل هذه الأمور، والأطم والأعظم تأخير الزواج بأعذار واهية، فتارة يقول الأب: ابنتي صغيرة، والله الذي لا إله إلا هو إن اللائي ضبطن في الخلوات، أعمارهن في سن الخامسة عشرة والسادسة عشرة، فأعمارهن لم تتجاوز العشرينات، أي صغيرة هذه؟!! والله لو تكلمت الصغيرة- وما ردها إلا الحياء- لقالت لأبيها: إن أمنيتي رجل صالح وبيت صغير، تأوي إلى ذلك الرجل، ويأوي إليها.

اتصلت إحدى فتياتنا على أحد مشايخنا قائلة: انصحوا أبي، إنه يرد الخطاب عني، وأنا والله على خطر عظيم.

تعتذر البيوت بصغر الفتيات، وتناسى هؤلاء أن أم المؤمنين عائشة تزوجت وهي ابنة تسع سنوات.

ومن الأعذار الواهية قولهم: نريدها أن تكمل تعليمها، أقول: وهل التعليم أهم من الزواج؟! ولسنا ضد التعليم أصلاً، وما المانع من أن تتزوج وتكمل تعليمها؟! أمهات الجيل الماضي لا يقرأن ولا يكتبن وخرجن أجيالاً من أحسن الأجيال، ما ضرهن والله أنهن لا يقرأن ولا يكتبن.

تقول إحداهن: كنت صغيرة في السن حين تقدم لي الخطاب، فردهم أبي بقوله: أريدها أن تكمل تعليمها، فلما تخرجت قال: أريدها أن تحصل على الوظيفة، ولا زال الخطاب يتقدمون وهو يردهم عني، حتى بلغت الثلاثين وبدأ الخطاب يقلون عني، وهو يردهم بأوهى الأعذار، بل ربما يتقدمون وأنا لا أعلم عنهم حتى بلغت الأربعين من العمر، فجاءته الساعة التي لا بد أن تأتي لكل واحد منا، في ساعات الاحتضار يتذكر الإنسان ما قدم وما أخر، وفي تلك اللحظة تذكر الأب ذلك الظلم الذي أوقعه على تلك الفتاة، فأخذ يعتذر إليها في آخر اللحظات، قالت: والله لن أسامحك! والله لن أسامحك! صويحباتي أمهات وجدات وأنا بين الجدران الأربعة، والله لن أسامحك! مت غير مغفور لك، والله لن أدعو لك، ولن أستغفر لك، وإذا وقفت أنا وأنت أمام الله فسأخاطبك أمام الله: حرمتني حقاً من حقوقي.

والله الذي لا إله إلا هو إني لأعرف بيتاً من بيوت المسلمين فيه سبع فتيات تجاوزت أعمارهن الثلاثين، ولا يزال الأب يرد الخطاب طمعاً وجشعاً وظلماً وعدواناً، تارة صغيرة، وتارة أريد منها أن تكمل التعليم، أي تعليم هذا؟! ثانياً: العصبية الجاهلية للأنساب: ومن أعظم الأسباب التي تفشت بين الناس اليوم بين حضر وبدو أن هذا لا يزوج فلاناً! وهذا لا يقبل فلاناً، إنها الجاهلية بأم عينها؛ لأن الميزان في الإسلام: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] فالناس عند الله سواسية كأسنان المشط، لا تقدمهم أحسابهم ولا أنسابهم، وفي الحديث: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).

اسمع الطامة العظمى! اتصلت بي إحداهن وهي طالبة في الكلية في السنوات الأولى، فقالت: نحن في خطر، تكلموا عن الخطر الذي يهددنا، الإباحية في كل مكان، نريد أن نعف أنفسنا بالزواج، ادع لي يا شيخ، قلت: عسى الله أن ييسر الأمور.

ثم اتصلت بي أخرى بعد حين باكية قائلة: تقدم لي حافظ للقرآن، حافظ لآيات الله وكلامه، ذو خلق وأدب عظيم، يشهد له القاصي والداني، فرده أبي قائلاً: أنا من قبيلة كذا وكذا فلا أزوج هذا، بل قال لي: اقطعي الأحلام، والله لأزوجنك من قاطع طريق وشارب خمر، ولا أزوجك هذا، وهو حافظ للقرآن! قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة:٥٠].

إن الله وضع ميزاناً هو ميزان التقوى، وهو ميزان التفاضل بين الناس، الناس عند الله سواسية، فلماذا نرد فلاناً وفلاناً؟ ما الضابط للرجل حين يتقدم؟ قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، يتقدم الشاب اليوم فلا يسأل عن خلقه ولا يسأل عن دينه، وإنما يقال له: ابن من؟ وممن؟ وما هي وظيفتك؟ ووضعنا الدين آخر الدرجات ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) والفساد واقع في كل مكان.

ثالثاً: غلاء المهور: من الأسباب التي عطلت الزواج وجعلته عقبة في وجوه الشباب: غلاء المهور، تفرض آلاف مؤلفة ما أنزل الله بها من سلطان، من أين للشباب بثلاثين وأربعين وخمسين ألفاً ورواتبهم لا تتجاوز الألف والألفين؟! والفتن في كل مكان تطارد الفتيات والفتيان، ثم توضع هذه العقبات والعراقيل.

ثم ما المقصد من الزواج أصلاً؟ أليس المقصد حفظ الفتاة والشاب، وإنشاء أسرة مسلمة؟! اليوم لا تنشأ الأسرة المسلمة إلا بملايين الريالات؛ لأن الرجال لا يديرون الأمور، فتخلوا عن المسئولية وأعطوها للنساء.

في زواج مضى كانت حفلة الزواج فيه قد كلفت أكثر من عشرة ملايين ريال! ثم باء هذا الزواج بالفشل بعد شهر واحد، فمن أين للشباب مئات الآلاف من الريالات؟ يريد خمسين ألفاً للمهر، وخمسين لإعداد عشة الزواج، من أين لهم بمثل هذا؟! كثير من الشباب لا يبني حياته إلا على ديون لسنوات طوال، أما قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد وغيره: (أبركهن أيسرهن مئونة).

وهل فتياتنا وبناتنا أحسن من أمهات المؤمنين؟! حين سئلت عائشة رضي الله عنها عن صداقه صلى الله عليه وسلم لنسائه -كما عند مسلم وغيره- فقالت: (ما زوج النبي صلى الله عليه وسلم بناته ولا أصدق نساءه بأكثر من ثنتي عشرة أوقية ونشاً، قالت: أتدري ما النش؟ نصف أوقية، فذلك خمسمائة درهم) خمسمائة درهم لأمهات المؤمنين، وهن أطهر النساء وأعفهن، وأكرمهن عند الله جل في علاه، ولبناتنا نطالب بثلاثين وأربعين وخمسين ألفاً، من أين يأتي الشباب بمثل هذا؟ أيسرقون أم يلجئون إلى الزنا؟ نحن الذين دفعناهم إلى هذا، كم من شاب التزم وأراد تحصين فرجه فإذا بالأبواب مغلقة أمامه! وكان ذلك سبباً في انتكاسته، الكل يتحمل المسئولية؛ لأن الحلال في المجتمع بمئات الآلاف من الريالات، والحرام بأيسر الأموال! وجدت حالة إيدز اكتشفت في المنطقة الغربية لطالب في المرحلة المتوسطة، وبعد التتبع عثر على وكر من أوكار المتخلفين من الحج يقدم الزنا بعشرة ريالات، الحرام بعشرة ريالات في حين أن الحلال بمئات الآلاف من الريالات.

اتقوا الله عباد الله! فما أنزل الله بهذا من سلطان.

أحد الشباب يروي قصة زواجه، فيقول: حين عزمت على الزواج اخترت بيتاً صالحاً أعرفه -وهذا هو الأصل؛ لحديث: (تخيروا لنطفكم؛ فإن العرق دساس)، أي: ابحثوا عن الصلاح لا الحسب والنسب، فالضابط هو صلاح الرجل والمرأة- قال: فذهبت إلى أبيها في المسجد، وصليت بجانبه، فلما انتهى من صلاته فاتحته بالموضوع على تردد، هو يعرفني، قال: أنت ممن نرضى دينه وخلقه، جئنا بأهلك حتى نتعرف عليهم، جئته بعد أيام بأهلي، تعارف الأهل، وحصلت بينهم مودة وألفة، قال لي الأب: الأسبوع القادم إن شاء الله تأتي ومعك الشهود نعقد لك على فلانة، أردت أن يبين لي كم المهر؟ وما هي الشروط والضوابط؟ فلم يتكلم قال: الموعد الأسبوع القادم.

يقول الشاب: كنت على الوظيفة منذ عشر سنوات، جمعت مبلغ عشرين ألف ريال -وهذا إنجاز في ظل هذه الظروف التي نمر بها الآن، أي: أن يجمع إنسان مبلغ عشرين ألف ريال- قلت: عشرين ألف أستحي أن أعطيه إياها؛ لأن السائد تنافس الناس على المظاهر والإسراف والتبذير، حتى أصبحنا إخواناً للشياطين الذين من أصلهم الإسراف والتبذير، كما قال تعالى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء:٢٦ - ٢٧] فاقترضت عشريناً أخرى حتى أصبح المبلغ أربعين ألف ريال.

وقلت: الأربعون لا تكفي اليوم! فذهبت في اليوم المحدد وجاء الشيخ بعقد النكاح، وبدأت الدقائق تمر علي وأنا في حرج شديد، حتى حانت تلك الساعة التي قال فيها الشيخ: كم المهر؟ فسكت، فرددها علي، قلت: أربعين ألفاً، قال الأب: لا، فسقط قلبي بين يدي، قال الأب: خمسة آلاف تكفيها، واستعن بالباقي أنت وإياها على قضاء حوائجكما، فقمت فقبلت رأسه، وحق لمثل هذا أن يقبل رأسه، ومثله قليل.

أعينوا الشباب وساعدوهم واحفظوا الفتيات والمجتمع، فالزنا في كل مكان، أولاد السفاح في كل مكان، على أبواب المساجد في المزابل والقمامات! اتقوا الله عباد الله! يسروا ولا تعسروا، اللهم من يسر على الشباب فيسر عليه، ومن عسر عليهم فرده إلى الحق يا رب العالمين! اللهم احفظ بيوتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.