للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من قصص السلف في تيسير المهور]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.

أما بعد: عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله، ومن تقوى الله تيسير المهور، وتيسير أمر الشباب والفتيات، المقصد من الزواج بناء أسرة مسلمة نحفظ بها هذه المجتمعات من الوقوع في الفاحشة والرذيلة، ثبت في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً فقيراً بما عنده من القرآن، فمن يسن هذه السنة الحسنة اليوم فينا الآن؟! أين من يزوج الصالح؟ أين من يبحث لابنته عن ذلك الشاب التقي النقي، فيعطيها ويسلمها إليه؟ ذكر في السير: أن مجلس سعيد بن المسيب يحضره عشرات، بل مئات من الشباب الصالحين، فانقطع شاب من الشباب عن الحضور يوماً، فلما حضر بعد أيام سأله سعيد: أين كنت يا أبا وداعة؟ قال: ماتت زوجتي، وانشغلت بدفنها وعزائها، فقال سعيد رحمه الله: هلا أخبرتنا حتى نعزيك ونواسيك؟! ثم قال له: هل نويت بأمر بعدها؟ أي: هل عزمت على زواج بعدها؟ قلت: ومن يزوجني، وأنا لا أملك إلا ثلاثة دراهم؟ قال سعيد: سبحان الله! ثلاثة دراهم لا تعف مسلماً، قلت: ومن يزوجني؟ قال: أنا، قلت: ابنة سعيد بن المسيب التي يخطبها الأمراء والوزراء ويردهم عنها، تدري لماذا؟ لأنه يريد لها صاحب الدين والخلق، ما نظر إلى الجاه ولا للحسب والنسب، يريد أن يعطي تلك الأمانة التي استرعاه الله إياها إلى يد أمينة، قال: أنا أزوجك، قلت: ابنة سعيد بن المسيب التي يخطبها الأمراء والوزراء فيردهم، قال: أنا أزوجك، فدعا من كان في ناحية المسجد، ثم قال: الحمد لله، وأثنى على الله، ثم قال: زوجنا فلاناً على فلانة بدرهمين، تم العقد، يقول: طرت من الفرح، ابنة سعيد! ذهبت إلى داري وأنا أطير من شدة الفرح، دخلت وكان الوقت ساعة مغيب الشمس، كنت صائماً، أخرجت خلاً وخبزاً أريد الإفطار، فإذا بطارق يطرق الباب، قلت: من؟ قال: سعيد، فجاء على بالي كل سعيد إلا سعيد بن المسيب -فما رئي منذ أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد، ما فاتته تكبيرة الإحرام أربعين سنة- فتحت الباب فإذا بـ سعيد بن المسيب قلت: لقد رجع في كلامه، قلت: لماذا أتيت كان حري بك أن تستدعيني وأنا آتيك؟! قال: مثلك يؤتى إليه، أنت إنسان زوجناك وخفت أن تبيت الليلة عزباً، ويحاسبني الله على عزوبيتك، فإذا بسواد من خلفه دفعها داخل الباب سقطت من حيائها، ثم قال: بارك الله لك وبارك عليك، هذه زوجك، أسأل الله أن يوفق ويصلح بينكما، ثم ذهب في طريقه، يقول: فنظرت إليها فإذا هي من أجمل النساء، والله ما رأت عيني أجمل منها، فصعدت إلى سطح المنزل، ناديت جيراني، قلت لهم: سعيد بن المسيب زوجني من ابنته، وقد أتى بها هذه الليلة، انزلوا عندها، وقال: سأذهب لأخبر أمي بالخبر، فذهبت إليها فقالت لي: وجهي من وجهك حرام، والله لا تقربنها إلا بعد ثلاثة أيام، حتى أزينها كما تزين العروس، وبعد ثلاثة أيام أدخلت عليها، والله ما رأت عيني أجمل منها، إن تكلمت أحسنت الكلام، وإن سكتت على أجمل مقام، مكثت معها شهراً كاملاً لم أر منها إلا صياماً وقياماً، وبعد شهر أردت الذهاب إلى مجلس سعيد، فقالت: إلى أين تذهب؟ قلت: إلى مجلس سعيد لطلب العلم، قالت: اجلس فإن علم سعيد كله عندي، ذهبت إلى مجلس سعيد بعد شهر، فلما رآني تبسم ولم يكلمني حتى انفض الجمع من المجلس، فلما انفض جئته وجلست بين يديه، فقال: كيف ضيفكم؟ قلت: على أحسن حال، قال: إن رأيت ما لا يعجبك فالعصا، ثم أعطاني عشرين ألف دينار، وقال: استعن أنت وإياها على قضاء حوائجكما.

أين لنا بمثل سعيد اليوم؟! أين لنا بمثل هؤلاء؟! الزنا في كل مكان، والشاشات والقنوات عاثت فساداً في الأخلاق والأعراض، أعراضنا تنتهك، شبابنا لا يجدون ما يسد حاجتهم، وفتياتنا في الأسواق كاسيات عاريات، ونحن نقول: عشرات الآلاف من الريالات! اتقوا الله عباد الله! يسروا أمور الزواج، احفظوا المجتمع من الفواحش والمنكرات، ولن يكون هذا إلا إذا سرنا على المنهج الرباني والنبوي الصحيح، فما زوج بناته ولا تزوج أمهات المؤمنين بأكثر من خمسمائة درهم عليه الصلاة والسلام، فلماذا مثل هذا عباد الله؟! اللهم يسر للشباب وحصن فروجهم، واحفظ الفتيات وحصن فروجهن يا رب العالمين! اللهم من يسر على معسر فيسر عليه، ومن عسر عليه فرده إلى الحق يا رب العالمين! اللهم احفظ مجتمعاتنا من الفتن والفواحش والمنكرات ما ظهر منها وما بطن يا رب الأرض والسماوات! اللهم طهر بيوتنا من الشاشات والقنوات، اللهم احفظ نساءنا وأطفالنا! اللهم وسع على شباب المسلمين يا رب العالمين! اللهم حصن فروجهم، وغض أبصارهم، وثبتهم على الطاعة يا رب العالمين! اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم ول علينا خيارنا، واكفنا شرارنا، اجمع شملنا، ووحد صفنا، وأصلح ولاة أمورنا، وانصرنا يا قوي يا عزيز على القوم الكافرين! اللهم انصر المجاهدين في سبيلك الذين يقاتلون من أجل إعلاء كلمتك، اللهم فك أسرهم، وارفع الحصار عنهم يا رب العالمين! اللهم أمدهم بمدد من عندك، وجند من جندك يا حي يا قيوم! انصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، قو عزائمهم، واربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم.

اللهم من أرادنا وبلادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره في تدميره، وكيده في نحره يا رب العالمين! اللهم عليك باليهود والنصارى المعتدين الظالمين، وعلى أعداء الملة ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم.

عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠] فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم.