للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإبطاء في إجابة الدعاء]

أختي الحبيبة! قد يبتلي الله العبد فيبطئ عليه في الإجابة، وكذا الأمة المؤمنة قد تدعو فلا يستجاب لها، فتكرر الدعاء وتطول المدة ولا ترى أثراً للإجابة، فينبغي لها أن تعلم أن هذا من البلاء الذي يحتاج إلى صبر، ولا بد من معرفة أمور حتى ينقطع عنك وسوسة الشيطان: أولاً: ثبت بالبرهان أن الله عز وجل مالك، وللمالك التصرف بالمنع والعطاء، فلا وجه للاعتراض عليه، إن أعطى فبرحمته وإن منع فبعدله تبارك وتعالى.

ثانياً: أنه قد ثبتت حكمته بالأدلة القاطعة، فربما رأيت الشيء مصلحة والحق أن الحكمة لا تقتضيه، وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر يقصد بها المصلحة.

رجل ماتت زوجته وهي في حالة ولادة، فأنجبت له بنية صغيرة، فأشار إليه أحد المشائخ أن يتزوج في الحال، حتى يجد من يرعى بنيته الصغيرة، وكان يأمل بالزواج زيادة النسل والذرية، تزوج وقامت المؤمنة برعاية ابنته كما ينبغي، لكنها مرت عليها السنة والسنتين ولم تنجب، فاشتكى إلى شيخه، فقال له الشيخ: اصبر فإن لله حكمة، ومرت أربع وخمس وهو يشتكي إلى شيخه، وهو يقول له: اصبر فإن لله حكمة، حتى مرت سبع سنوات، فإذا بها قد حملت ثم ذهب إلى شيخه يبشره بذلك، فقال: إن لله حكمة إذا أعطى، وله حكمة إذا منع، منع منك الولد حتى تربي بنيتك الصغيرة؛ لأنها لو أنجبت لتشاغلت عن تربية تلك الصغيرة.

ولكنها حكمة أختي الحبيبة! لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى.

من الأمور التي يجب أن تعرف: أنه قد يكون التأخير مصلحة والاستعجال مضرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي).

ثالثاً: قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيك، فابحثي عن هذه الأسباب لعلك تدركين بالمقصود.

ذكر إبراهيم الخواص رحمة الله عليه أنه خرج لإنكار المنكر فنبحه كلب له فمنعه أن يمضي، فعاد ودخل المسجد وصلى ثم خرج فبصبص الكلب له، فمضى وأنكر المنكر، فسئل عن تلك الحال؟ فقال: كان هناك منكر وكان عندي ذنب فمنعني الكلب، فلما عدت وتبت واستغفرت فكان ما رأيتم.

رابعاً: ينبغي أن تبحثي عن مقصودك بهذا الطلب! أي: ماذا تريدين عندما تسألين ربك؟ وما مقصودك؟ فإن سألت مالاً، أو جاهاً، أو سلطاناً، أو أي سؤال سألتيه، فما هي نيتك ومقصدك من هذا السؤال؟ أسألت المال للازدياد في طاعة الله؟ وهل أردت الجاه حتى تتقربي به إلى الله؟ أم ماذا المراد من السؤال؟ أما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ ويقول: أعوذ بك من صحة تلهيني، أو غنى يطغيني، أما قال نوح عليه السلام: {إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [هود:٤٧].

خامساً: ربما كان فقد ما فقدته سبباً للوقوف على باب الرحيم، واللجوء إليه، وربما كان حصول المراد سبباً للاشتغال به عن المسئول، فقد تكون هذه الحاجة التي أردتها سبباً لوقوفك بين يدي الله متضرعة، خاشعة، منيبة.

وكثير من الناس إذا قضى الله حوائجهم أعرضوا ونكصوا على أعقابهم، كما قال الله: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا * قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} [الإسراء:٨٣ - ٨٤].

فالحق عز وجل علم اشتغال كثير من الخلق عنه فأنزل عليهم عوارض تدفعهم إلى بابه ليستغيثوا به، فهذي من النعم في طي البلاء، أما البلاء المحض فهو اشتغالك عن الله تبارك وتعالى، فأما ما يقيمك بين يديه ففيه عزك وجمالك.

حكي عن يحيى البكاء: أنه رأى ربه عز وجل في المنام فقال: يا رب! كم أدعوك ولا تجيبني، فقال: يا يحيى! إني أحب أن أسمع صوتك.

وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري عنه صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم دعا الله تعالى إلا أجابه: فإما أن يعجلها وإما أن يؤخرها، وإما أن يدخرها له في الآخرة)، صححه الحاكم وإسناده جيد.

فإذا رأت الأمة يوم القيامة أن ما أجيبت فيه قد ذهب، وما لم تجب فيه قد بقي ثوابه، قالت: ليتك لم تجب لي دعوة قط!.

فافهمي هذه الأشياء، وسلمي قلبك من أن يختلج فيه ريب، أو استعجال، فالمنع لأمرين: إما لمصلحة وإما لذنب، وكل أدرى بحاله.