للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا تغفل عن الموت]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله، {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:٢٨١].

عباد الله! اتصل أحد أقاربي بأهله ظهراً في الساعة الواحدة تماماً وقال لهم: إني قد استأذنت من العمل مبكراً فما هي مطالبكم؟ وما هي حاجاتكم؟ فأملوا عليه المطالب وقالوا: نريد كذا ونريد كذا ونريد كذا، فقال: ساعة واحدة وسأكون عندكم.

فمرت الساعة الأولى والساعة الثانية والثالثة، ثلاث ساعات متتاليات، ثم مرت الرابعة ولم يظهر له أثر، وقبيل المغرب بقليل اتصل متصل من المستشفى يقول لأهله: عظم الله أجركم في فلان.

حيث إنه في ساعة خروجه من مكان عمله ارتطمت سيارته بسيارة أخرى وفارق الحياة.

والسؤال الذي أسألك إياه: هل كان يظن حين رفع سماعة الهاتف أنها آخر مكالمة بينه وبينهم؟! وهل كانوا يظنون وهم يملون عليه المطالب أنها لن تصل؟! بل الذي يحملها هل كانوا يظنون أنه لن يصل؟! وهل خاطبت نفسك يوماً وأنت تخرج في الصباح وقلت: لعلي لا أرجع إلى البيت مرة ثانية؟ وهل خاطبت نفسك ليلاً فقلت: لعلها تكون آخر ليلة في الحياة؟ فكيف تسهو وتني ومعظم العمر فني فيما يضر المقتني ولست بالمرتدع أما ترى الشيب وخط وخط في الرأس خطط ومن يلح وخط الشمط بفوده فقد نعي ويحك يا نفس احرصي على ارتياد المخلص وطاوعي وأخلصي واستمعي النصح وعي واعتبري بمن مضى من القرون وانقضى واخشي مفاجأة القضا وحاذري أن تخدعي وانتهجي سبل الهدى وادكري وشك الردى وأن مثواك غدا في قعر لحد بلقع من منا إذا أصبح حدث نفسه أنه لن يمسي، ومن منا إذا أمسى حدث نفسه أنه لن يصبح.

نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعل الردى مما نرتجيه أقرب جلس زيد بن عبد الرحمن مع نفر من أصحابه بينهم غافل لا يعلم بغفلته إلا الله، فقال -وكأنه يخاطبنا-: يا أبا فلان! الحال التي أنت عليها ترضاها للموت؟ قال: لا، قال: هل نويت أن تغير هذه الحال إلى حال ترضاها للموت؟ قال: ما اشتاقت نفسي بعد، قال: وهل تضمن أن لا يأتيك ملك الموت على هذه الحال؟ قال: لا، قال: وهل بعد هذه الدار دار فيها معتمل؟ قال: لا، قال: والله ما رأيت عاقلاً يرضى بهذه الحال! أليس هذا هو حال الكثير اليوم؟! تخلف عن الصلوات، واقتراف للمناهي والمحرمات، أعمارهم تنقضي أمام شاشات وقنوات، فمتى نعرف قيمة الأعمار وقيمة الأوقات؟ قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:٩٩].