للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خالد يلي إمارة الجيش]

ثم نادى ثابت في المسلمين قائلاً: أترضون بـ خالد بن الوليد أميراً عليكم؟ قالوا: رضينا، فحمل الراية رضي الله عنه وأرضاه وامتطى صهوة الجواد، ثم ذهب إلى أعلى مكان في أرض المعركة يتفقد أرض المعركة وينظرها يمنة ويسرة بعين ثاقبة، وبعقل وعبقرية عسكرية لم تعرف الحياة مثلها، ففكر خالد أن هذا الجيش القليل قد أبلى بلاء حسناً لكنه لا يستطيع أن يقاوم أكثر، ثم فكر وغير الميمنة والميسرة، وقلب مواضع القتال يمنة ويسرة، وغير وجوه الرجال في وجوه أولئك القوم، فظنوا أن مدداً قد جاءهم من المدينة، فرفع معنويات الرجال، وألقى الخوف والرعب في الفريق الآخر، ثم صمدوا وقاوموا وقاتلوا واستبسلوا، ثم بدهاء عسكري استطاع خالد أن يفتح فجوة في صفوف الكفار فأخذت فلول المسلمين مجموعة تلو مجموعة تخرج من أرض المعركة بأقل الخسائر، وكان خالد يظن أن الخروج من أرض المعركة بأقل الخسائر هو انتصار بحد ذاته، وهو كذلك بعد أن أبلى أولئك القوم بلاءً حسناً.

ومن شدة المعركة قال خالد: تكسر في يدي في تلك المعركة تسعة سيوف، ولم تصمد في يدي إلا صفيحة يمانية.

وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (ولقد حمل الراية سيف من سيوف الله، ولقد حمى الوطيس).

ثم خرج خالد ومن معه من أرض المعركة بخطة عبقرية فذة تدرب إلى الآن في ميادين القتال، ولم يستطع الروم أن يتتبعوا ذلك الجيش الصغير.

وانتظرت المدينة قدوم ذلك الجيش، فالصغار والكبار ينتظرون رجوع ذلك الجيش، لكن بأي وجه استقبل الأطفال ذلك الجيش؟ لقد استقبلوا خالداً ومن معه في أزقة المدينة بالحجارة وهم يقولون لهم: تفرون من الموت في سبيل الله؟ فيرمونهم بالحجارة ويقولون لهم: يا فرار يا فرار! فالصغار يعيرون الكبار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله).

ولو تأملنا الصورة بالأمس والصورة باليوم لرأينا عجباً، فبالأمس كان صغارنا يستقبلون الجيش ومن معه في أزقة المدينة، وكانوا يقولون لـ خالد ومن معه: إلى أين يا فرار؟! واليوم صغارنا، يستقبلون غانية ومطرباً بيده قيثار ولاعباً في صالة المطار بالورود والأزهار متار متار هذا زمان العار من طنجة إلى قندهار معتقل يعيش حالة احتضار أمتنا ليس لها قرار أمتنا ألعوبة باليمين واليسار نرجو صلاح الدين ندور في مأساتنا حتى أصابنا الدوار لكن لا خيار من موتنا فوق شغار السيف حتى يصير الشوك جل نار موقنون يا متار بحرقة المشوار فإن النصر مع الصبر والصراط فوق النار هذه باختصار قصيدة اعتذار عن أمة تعدادها مليار ليس لها قرار ثم يرجع خالد ظافراً من مؤتة، ومنتصراً انتصاراً عظيماً يوم أن خرج بجيشه من تلك المهلكة.