للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسئولية استشعار اليوم الآخر]

إنها مسئولية عظيمة مسئولية اليوم الآخر، استشعار ذلك اليوم وما فيه من الشدائد والأهوال، لم يكن من فعله صلى الله عليه وسلم ربط الناس بالدنيا، بل كان دائماً يذكرهم بالله واليوم الآخر، ما وعدهم بحطام الدنيا إنما ربطهم بالله وجنته.

ها هي سمية أم عمار تعذب وتضطهد فيمر عليها النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: (صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة).

يدخل على أصحابه يضحكون، فيقول لهم: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً).

إذا اشتد الحر قال لهم: (إن أشد ما تجدون من حركم من سموم جهنم)، وإذا اشتد البرد قال لهم: (إن أشد ما تجدون من بردكم من زمهرير جهنم).

يربطهم دائماً بالله وباليوم الآخر، تأتي فاطمة رضي الله عنها تطلب خادماً، فيقول لها: (ألا أدلك على ما هو خير من خادم؟ إذا أويت إلى فراشك فقولي: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، وقولي تمام المائة: الله أكبر، فذلك خير لك من خادم).

إنه البشير النذير والسراج المنير، الذي أرسله الله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد.

وتعلم هذا الهدى أصحابه من بعده، قام عمر ليلة وافتتح قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} [النبأ:١ - ٣] فما استطاع أن يتجاوزها حتى بزغ عليه الفجر وهو يبكي ويردد {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [النبأ:١ - ٢].

ها هو الحسن البصري كما يقول عنه ابنه: أمسى أبي صائماً حتى حانت ساعة الإفطار، فأحضر له الطعام وقيل له: الطعام يرحمك الله، فاسترجع ثم قرأ قوله سبحانه: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} [المزمل:١٢ - ١٣] فبكى وأبكى حتى عافت نفسه الطعام، حتى أصبح صائماً لليوم الثاني لم يذق الطعام ولا الشراب، حتى حانت ساعة الإفطار وجئ له بالطعام، وقيل له: الطعام يرحمك الله، فاسترجع وبكى وقرأ قوله سبحانه: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} [المزمل:١٢ - ١٣] فبكى وأبكى حتى عافت نفسه الطعام، حتى أصبح صائماً لليوم الثالث على التوالي لم يذق الطعام ولا الشراب، حتى حانت ساعة الإفطار فذهب ابنه إلى ثابت البناني ويحيى البكاء فقال: أدركوا أبي ثلاثة أيام لم يذق الطعام ولا الشراب.

إنها مسئولية الآخرة التي حرمتهم لذة الطعام ولذة الشراب ولذة المنام فـ {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:١٧ - ١٨] حالهم يتضرعون إلى ربهم: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان:٦٥].

فالمسئولية عظيمة، واليوم أشد مما تتصورين، فاستعدي أخيه، فخذي من دنياك لآخرتك، ومن صحتك لسقمك، ومن فراغك لشغلك، فإنك لا تدرين ماذا يكون اسمك غداً، ولا تدرين في أي مكان تنامين.

فاتقي الله أيتها المؤمنة! اتقي الله واستعدي للقاء الله تبارك وتعالى.

وأستغفر الله العظيم، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.