للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحث على صلاة الفجر في جماعة]

السؤال

بعض الإخوة - مع قصر الليل هذه الأيام- يتهاونون في حضور صلاة الفجر مع جماعة المسلمين، ويتهاونون في أدائها في وقتها، فهل من كلمة تبيِّن كيف يفعل الإنسان حتى لا تفوته صلاة الفجر؟

الجواب

إذا أردت أن تعرف أن الله يحبك أم لا - وكلنا يريد أن يعرف إن كان الله يحبه أم لا، وتتفاوت درجات المحبة، فعلى قدر حبك أنت يحبك الله، وعلى قدر صدقك أنت مع الله يصدق الله معك - فإذا وُفِّقت لصلاة الفجر والناس نيام فاعلم أن الله يحبك، وإذا جلست في مصلاك والناس قد صلوا الفجر وانطلقوا إلى فرشهم وأنت جالس فاعلم أن الله يحبك أكثر منهم، وإذا ركعت أربعاً من الضحى فاعلم أن الله يحبك، وإذا حافظت على أربع قبل الظهر وأربع بعدها، وخشعت لله في صلاتك فاعلم أن الله يحبك، وإذا وفِّقت للدعوة والبذل والعطاء فاعلم أن الله يحبك، وإذا وقعت في المعصية فاعلم أن الله قد تخلى عنك، وإذا وقعت في المعصية فاعلم أن الله قد وكلك إلى نفسك.

واعلم أن الله يصرف عنك المأساة وأنت لا تشعر، ولو ترك ابن آدم إلى نفسه لوقع، فهذا نبي الله يوسف اعترف واستسلم وقال: {وََإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف:٣٢ - ٣٣]، فقال الله: {فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف:٣٤]، فلما كان مُخلَصاً صرفت عنه السوء والفحشاء، فإذا وفقت لصلاة الفجر فاعلم أن الله يحبك.

لقد قامت جارية تصلي من الليل فأيقظت سيدها فأبى الاستيقاظ، فكررت المحاولة فأبى الاستيقاظ، فتوضأت وأحسنت الوضوء وانطلقت تصلي، فقام قبيل الفجر بقليل، وليس من قام ساعة كمن قام ساعات، وليس من وقف عند الباب دقيقة كمن يقف عند الباب ساعة، فبحث عنها فوجدها في ناحية من نواحي البيت تصلي ساجدة تناجي ربها وتقول: اللهم! إني أسألك بحبك لي إلا غفرت لي، فلما انتهت من صلاتها قال لها سيدها: من أين عرفتِ أنه يحبك، أو كيف عرفت أنه يحبك؟ قالت: أما أَنامَك وأقامني بين يديه؟ أما وفقني للقيام وأنت تغط في سبات عميق؟ فلا يوقف بين يديه من إلا الذين يحبهم.

إن صلاة الفجر تشكو من زمن وليس من اليوم، فالوقت بدأ يتراجع، والصفوف تنقص، والمشكلة أننا في أزمات، وعند الأزمات لابد أن نصدق مع الله، فلن تنفرج الأزمات إلا إذا صدقنا مع الله، وما أجمل تلك العبارات التي أراها ملقاة ومعلقة في كثير من الأماكن: إذا أردنا النصر فلنصلِّ الفجر؛ لأن صلاة الفجر انتصار على النفس، وانتصار على الشهوات، وانتصار على الرغبات، وانتصار على الشيطان.

جاء عند الترمذي: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات، إحداهن بالتراب)، وفي رواية: (أولاهن)، وفي رواية: (أخراهن)، وتأمل هذا الحديث: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل نام عن صلاة الفجر حتى أشرقت الشمس؟ فقال: (ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه).

الآن بول الكلب وإلا بول الشيطان؟ بول الشيطان، فإذا استيقظ هذا الذي بال الشيطان على أذنيه أول شيء يسويه ما هو؟ يغسل أذنيه سبعاً إحداهن بالتراب.

إن مأساتنا مع الفجر مأساة كبيرة، فقد زرت مدرسة من أيام ماضية تعداد طلابها (٤٠٠) طالب، وقبلها بأيام زرت مدرسة تعدادها طلابها (٨٠٠)، بعد المقدمة والأخذ والعطاء قلت: اصدقوني القول: من منكم صلى الفجر اليوم في جماعة؟ وتعداد لطلاب (٤٠٠) فلم يتجاوزوا العشرين طالباً، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، والمدرسة التي قبلها عددهم مع المدرسين (٨٠٠)، فلم يتجاوزوا العشرين، أي: أن (٧٨٠) من بيوت المسلمين تعيش في غفلة، فالشيطان يبول على آذان أهلها في كل يوم، فكيف يتغير الواقع؟ وإذا أردت أن تعرف مقدار المأساة فاخرج إذا أذن الفجر إلى الشوارع فإنك لا تكاد ترى سيارة تتحرك، ولا تكاد ترى بشراً يسيرون في الطرقات، ثم مر بجانب البيوت فإنك لا تسمع صوتاً، وتدخل المسجد فتجد آباء وكبار في السن وقلة قليلة من الشباب الذين هداهم الله، ثم قم وأخرج بعد صلاة الفجر بساعة إلى الشوارع فسترى الزحام والأصوات من كل مكان، فسبحان الله! كيف ننتصر على أعدائنا ولم ننتصر على أنفسنا؟!! {إن الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١]، وحتى الشباب الصالح لنا عليه مآخذ، فكثير منهم إلى الآن لم يصدق، فترى بعضهم يصلي سنة الفجر يومياً بعد الفجر، وترى كثيراً من الشباب الصالح تفوته الركعة والركعتان، وترى كثيراً من الشباب الصالح قد يصلي في الجماعات الثانية، وقد كان الجيل الأول يقولون: إذا رأيت الرجل تفوته تكبيرة الإحرام، فكيف إذا رأونا؟ فإذا لم نصدق في التربية فإن الواقع لا يتغير، والهداية إنما تأتي من الاتباع، {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر:١٧ - ١٨]، والهداية ليست درجة واحدة، بل هي درجات، فكل من صَدق صُدق معه، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:١٧]، والحديث يقول: (من صلى لله في جماعة أربعين يوم يدرك تكبيرة الإحرام كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق)، فما تريد أكثر من هذا؟ إذا جاءك صك براءة من النار، فهذا يعني أنك من أهل الجنة، وصك براءة من النفاق، وهذا يعني أنك ستسلم من الفتن، فنريد أن نصدق في الأربعين يوماً، فهذا سعيد بن المسيب لم تفته تكبيرة الإحرام أربعين سنة، وهذا ميمون بن مهران الأعمش يقول لبناته ساعة وفاته: على ماذا البكاء وأنا خمسون عاماً لم تفتني صلاة الجماعة؟! فنريد أنا وأنت أن نصدق في الأربعين يوماً فقط، فوالله الذي لا إله إلا هو! لو جرِّبت فإنك سترى الأثر العظيم بعد الأربعين.

يقول ابن القيم رحمه الله: وما حافظ عبد على عمل صالح أربعين يوماً إلا فُتح له باب هذا العمل.

وليس هناك أعظم من تكبيرة الإحرام، وقد قال لي أحد الشباب: دائماً وأنت تدندن على مسامعنا: تكبيرة الإحرام، تكبيرة الإحرام، فماذا؟ فأقول: وهل يصنع الأبطال إلا في الصفوف الأُوَل مع تكبيرات الإحرام، واعلم أن من أراد إدراك المفاخر لم يرضَ بالصف الآخر، ومن يطلب الحوراء لم يغلها المهر، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، فأهل الصفوف الأولى يُعرفون، فهم أهل همم عالية، يقول: دائماً وأنت تدندن علينا، فقلت له: لأن تكبيرة الإحرام تصنع رجالاً يعتمد عليهم، فالرجل يعرف من صلاته، فقد رأى عمر رجلاً يصلي مرةً صلاة عجيبة أُعجب فيها عمر صاحبُ الفراسة، فقال بعد أن انتهى الرجل من صلاته: ائتوني بهذا الرجل، فلما جاءه قال له عمر: نريد نستخدمك في بعض أمورنا، قال: يا أمير المؤمنين! أنا لا أصلح لجمع الصدقات والزكوات، وإنما أصلح للموت في سبيل الله، فقال عمر: من أجل هذا أردناك، فعينه قائداً على جيش من جيوشه، إنه النعمان بن المقرن رضي الله عنه وأرضاه، فقد عرفه عمر من صلاته، فصلاتي أنا وأنت اليوم مثل صلاتي وصلاتك بالأمس، وصلاتنا غداً هي نفس الصلاة لم تتقدم ولم تتأخر، وقد بدأ الله صفات الفلاح بالصلاة وختمها بالصلاة فقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:١ - ٢]، إلى أن قال: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون:٩ - ١٠].

عبد الله! اصدق مع الله يصدق الله معك، وخذ بالأسباب التي تعينك على الاستيقاظ، والسهر منهي عنه أصلاً بعد صلاة العشاء، فعلى ماذا نسهر؟ فالصالحون قد يسهرون على مباحات لكن والله! ما ذبحنا إلا المباحات وما قتلنا إلا السهر أمام المباحات، فلا تظن أن الذنوب والمعاصي فقط هي التي تقسي القلب، بل إن المباحات والإفراط فيها تقسي القلوب أيضاً إذا زادت على حد الضرورة، فهي من الفضول، فاصدق في أخذ الأسباب، وبدل الساعة الواحدة ضع ثنتين، وأوصي فلاناً أن يوقظك، فوالله إني منذ أن حملت الجوال في جيبي منذ سنوات وأنا وأحد الإخوان كل واحد منا يتعاهد صاحبه، فالذي يقوم قبل يدق على صاحبه ولا يتوقف حتى يضغط الآخر أن الرقم مشغول، أي: أنه قد استيقظ، فلماذا لا نتواصى فيما بيننا، وما هي قيمة الهواتف والجوالات إذا لم نستخدمها في طاعة الله، فالصادق يُعرف، وإذا صدق العبد مع الله صدق الله معه، وإذا صدق في نيته صدق الله معه في تأييده ونصرته، فبعضهم يضع بدل المنبه منبهين، وأحدهم يقول فيما ذكره الشيخ المنجد في كتيب اسمه (شكاوى وحلول) أو لعله: (مشكلتك لها حل) ذكر مشكلة النوم عن صلاة الفجر فقال: كل مشكلة لها جانب علمي وجانب عملي، فالجانب العلمي: أننا نعرف الأجر المترتب على المحافظة، والأجر المترتب على التخلف، ثم قال: ولا بد من جانب عملي حتى نحل المشكلة، ثم ذكر النية الصادقة، والنوم المبكر، والوضوء، وذكر أذكار النوم، والنوم على الشق الأيمن، والاستعانة بالآخرين، ثم الأخذ بالأسباب، فأحدهم كان يضع المنبه في قدر، ثم يضع القدر في الدولاب، فإذا انطلق مع صلاة الفجر تصير ضجة كبيرة في الغرفة فيقوم من مكانه ويحط الكرسي، ثم ينزل القدر ويطفي الساعة، فيطير النوم، وهذه لم يذكرها الشيخ، ولكن أعرفها، وآخر يربط حبلاً في رجله ويرميه من الشباك فيمر عليه رجل شايب مع الفجر فيقوم بجر الحبل، والصادق يفعل عدة أسباب حتى يحافظ على صلاة الفجر، فالله الله يا إخوان! أن نجرب أربعين يوماً كما ذكرنا، وإياك أن يقول المؤذن: الله أكبر وتقول: سأذهب بعد قليل، وإياك أن تسمع المنادي ينادي وتقول: سأفعل هذا، أو سأفعل ذلك، وتذكّر قول الله: {