للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هجرة اليهود إلى المدينة المنورة قبل الإسلام وعداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم]

ثم بعد عيسى عليه السلام كان من اليهود من اختار الهجرة إلى يثرب والمناطق الواقعة على طريق الشام، وسبب ذلك: ما يقرءون في كتبهم من البشائر بالنبي المنتظر الذي سيظهر الله به الدين، وكانوا يزعمون أنه لابد أن يكون هذا النبي المنتظر من بني إسرائيل، وأنهم سيكونون أول من يتبعه، وسيقاتلون العرب الوثنيين معه، وسيستعيدون ملك بني إسرائيل في الأرض، وهي أحلام وأوهام! ولما لم يأتِ هذا النبي الموعود به من بني إسرائيل وجاء من العرب أولاد إسماعيل عليه السلام حسدوهم -والحسد خصلة متوارثة فيهم- فكفروا به، وكفر به عامة اليهود ولم يؤمن منهم إلا قليل، ولم يكن الباعث لمن كفر منهم أن قلوبهم لم تصدقه، كلا، فهم قد عرفوه بصفاته المذكورة عندهم، وإنما كفروا به بغياً وحسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق، وقد أوضح الله ذلك في كتابه فقال: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:٨٩]، وقال سبحانه: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [البقرة:١٤٦ - ١٤٧].

تقول أم المؤمنين صفية رضي الله عنها وأرضاها: (لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل بقباء غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر مغلسين -أي: في الصباح الباكر بعد الفجر-، قالت صفية: فلم يرجعا حتى كان مع غروب الشمس، فأتيا كالين كسلانين، قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم والله، قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت)، فقد تأكدا وهما من أحبار اليهود أنه هو الرسول المنتظر وتلك صفاته التي جاءت في كتبهم، لكنه الحقد الأسود، والحسد الذي ملأ قلوبهم، وهذه مشكلة إبليس يوم أن خلق الله آدم وشعر بالاستعلاء والاستكبار، فاليهود والشيطان سواء، قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:١٠٩].