للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم تعظيم الناس لربهم حق التعظيم]

ما قدر العباد الله حق قدره يوم أن عبدوا سواه، وما قدروا الله حق قدره يوم أن أشركوا في عبادته، وما قدروا الله حق قدره يوم أن قالوا: اتخذ الله صاحبة وولداً، وما قدروا الله حق قدره يوم خالفوا أوامره وارتكبوا نواهيه، وما قدروا الله حق قدره يوم أن قالوا: إن قدرة الله ليست بمطلقة، والله قد بين لهم أنه على كل شيء قدير، ثم جاءت آية عظيمة بين الله فيها عظمته وقدرته، فقال عن الذين أشركوا وخالفوا أوامره: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧].

قوله: ((مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)) أي: ما عظموا الله حق تعظيمه وفي الأرض آياته وبيناته التي تدل على وحدانيته وعلى قدرته، فهلا سرتَ في الأرض لترى الدلائل والعلامات على قدرة الله جل في علاه، فكل ما في الأرض يدل على أنه واحد، فكيف يعصيه العاصي أو يجحده الجاحد.

((مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)) أي: ما عظموه حق تعظيمه، وقد جاءت الرسل لتبين لأقوامها هذه الحقيقة، حتى نبينا صلى الله عليه وسلم بيّن للناس هذه الحقيقة وهي: أن الله عظيم في قدرته، وعظيم في قوته، وعظيم في كل اسم من أسمائه وفي كل صفة من صفاته.

قال نوح عليه السلام لقومه: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح:١٣] أي: مالكم لا تعظمون الله حق تعظيمه فتخافون من عذابه وأليم نقمته؟! ثم بين لهم عظمة الله في أنفسهم، وفي آياته التي تحيط بهم يمنة ويسرة فقال: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح:١٤] يعني: أوجدكم من عدم {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان:١].

فمن أنت يا ابن آدم! حتى أوجدك الله وأخرجك إلى هذا الوجود؟! {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} يعني: طوراً بعد طور: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم أخرجكم طفلاً، ثم لتبلغوا أشدكم، وهكذا خلق الإنسان، فما عظَّم الله حق تعظيمه وما قدر الله حق قدره من لم يتأمل في هذه الآيات.

ثم أمرهم نبيهم صلوات ربي وسلامه عليه أن ينظروا في ملكوت السماوات والأرض، وأن ينظروا في آيات الله يمنة ويسرة حتى يروا عظمة الله جل في علاه: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا} [نوح:١٥ - ٢٠].

قال سبحانه: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧].

ولدتك أمك يا ابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سروراً فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً ولن يكون هذا إلا إذا قدرت الله حق قدره، فما قدروا الله حق قدره يوم تخلفوا عن أوامره وتساهلوا في نواهيه، وما قدروا الله حق قدره من ناموا عن الصلوات المكتوبة، وما قدروا الله حق قدره من تطاولوا على الربويات، وما قدروا الله حق قدره من ملئوا ليلهم ونهارهم بالعكوف أمام الشاشات والقنوات، وما قدروا الله حق قدره يوم لم يستشعروا عظمته وأنه في كل مكان يراهم ويعلم سرهم ونجواهم.

فما عصى عاصي وما خالف مخالف إلا لأنه لم يقدر الله حق قدره، وما تخلف متخلف عن أوامر الله إلا لأنه ما قدر الله حق قدره.