للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجود سبب لمحبة الله والناس]

وقال: الجود سبب لحب الناس وقربهم من هذا الجواد الكريم، فمن الذي يحب البخيل الذي لا يعطي، وينفر ولا يبشر؟ قال أنس رضي الله عنه: (ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، جاءه رجل فأعطاه غنماً ما بين الجبلين، فرجع الرجل إلى قومه فقال: أسلموا؛ فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.

قال الشاعر: وكيف تخاف الفقر والله رازقٌ فقد رزق الطير والحوت في البحرِ عليك بتقوى الله إن كنت جاهلاً يأتيك بالأرزاق من حيث لا تدري والجود سبب لرفعة مكانة الجواد في الآخرة وحب الله له.

فمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله: (من تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) وهذا من شدة إخلاصه.

والجود سبب لقلة الأعداء والحساد، وسبب لحسن ثناء الناس، وما أكثر ما يقولون: جزى الله فلاناً خيراً بسبب جوده وفضله وعطائه، وإذا زكى الناس إنساناً فهو على خير عظيم.

(مرت جنازة أمام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقولون في هذا؟ فأثنوا عليه ثناءً حسناً، قال: وجبت.

ثم مر آخر، فقال: ماذا تقولون في هذا؟ فذكروه بشر، قال: وجبت.

قالوا: يا رسول الله! قلت: وجبت لهذا ووجبت لذاك؟ قال: ذكرتم هذا بخير فقلت: وجبت له الجنة، وذكرتم ذاك بشر فقلت: وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض والملائكة شهداء الله في السماء).

وليس لنا من الناس إلا الظاهر، ومن الجهل أن يقال: المنفقون سادة الدنيا والأتقياء سادة الآخرة، فإنهم لن يكونوا متقين حتى ينفقوا كما قال الله: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:٩٢] فقد كان من صفات الأبرار الجود والإنفاق، يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم، فانظر كيف كان كل واحد يغار على جاره ويهتم بأمر جاره، يقول عمر: أهدي إلى رجل من أصحاب محمد رأس شاة، فقال: جاري أحوج مني فأهداها إليه، فلا زالوا يتناقلونها من بيت إلى بيت حتى رجعت إلى الأول.

فأي قوم هؤلاء؟! وأي جار هذا الذي ينام قرير العين وجاره لا يجد ما يلبس أو لا يجد ما يأكل ويشرب؟! قال الله عنهم: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:٩]، كانت هذه أخلاقهم وتلك صفاتهم فلا عجب أن يقول الله: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [المائدة:١١٩]، فتأمل الفرق بيننا وبينهم.

كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بمال له أنفقه قربة إلى الله، مستحضراً قول الله: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:٩٢]، وكثير من الناس اليوم إذا بليت ثيابه وتقطعت نعاله يعطيها الفقراء والمحتاجين تخلصاً منها، لا بذلاً ولا عطاء، فهذا هو الفرق بيننا وبينهم، فهم يعطون أجود أموالهم وأحسن ثيابهم، ونحن نعطي أدنى ما نملك تخلصاً منها.

فحتى تكون جواداً منفقاً استشعر الأثر والأجر العظيم.