للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضمة القبر]

هل سمعت عن القبر وضمته؟! عند النسائي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هذا الذي تحرك له عرش الرحمن، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه) يعني سعد بن معاذ.

وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (إن للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ).

سعد وما أدراك ما سعد؟ سعد الذي اهتز له عرش الرحمن عند وفاته! سعد الذي شيعه سبعون ألف ملك لم ينزلوا إلى الأرض قط! سعد الذي فتحت له أبواب السماء! سعد سيد الأوس والخزرج! سعد الذي مناديله في الجنة خير من الدنيا وما فيها! هذا حال سعد فكيف يكون حالي وحالك؟ (لقد ضم ضمة ثم فرج عنه).

سبحانك! يا من ذللت بالموت رقاب الجبابرة، سبحانك يا من أنهيت بالموت آمال القياصرة، فنقلتهم بالموت من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة النساء والجواري والغلمان إلى مقاساة الديدان والهوام، ومن التنعم بأنواع الطعام والشراب إلى التمرغ في أنواع الوحل والتراب.

وقف علي رضي الله عنه على القبور فنادى أصحابها: أتخبرونا أخباركم؟ أم نخبركم أخبارنا؟ أما أخبارنا فإن الأموال قد اقتسمت، والنساء تزوجت، والمساكن قد سكنت، قال سبحانه: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} [الدخان:٢٥ - ٢٩].

قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:٢٠٥ - ٢٠٧].

القبر كل يوم يناديك: يا ابن آدم! تمشي في جماعة على الأرض وسوف تقع وحيداً في بطني يا ابن آدم! تفرح وتمرح على ظهري وسوف تبكي في بطني.

يا ابن آدم! تأكل أموال الربا والحرام واليتامى على ظهري، وسوف يأكلك الدود في بطني.

يا ابن آدم! تنظر إلى الحرام بعينيك وسترى ما ينتظرك في بطني.

يا ابن آدم! تسمع الحرام بأذنيك وستسمع الأهوال في بطني.

يا ساهياً يا غافلاً! سيحملك أهلك وأخلاؤك إلى تلك الحفرة، سيتبعك مالك وولدك وعملك، سيرجع الكل وسيبقى العمل.

ستتزوج الزوجة من بعدك، وسيتقاسم الأولاد أموالك.

وأنت وأنت ينادى عليك: رجعوا وتركوك، وفي التراب وضعوك، وللحساب عرضوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا وأنا الحي الذي لا يموت.

{يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:٦ - ١٢].

كأني بك تنحط إلى اللحد وتنغط وقد أسلمك الرهط إلى أضيق من سم هناك الجسم ممدود ليستأكله الدود إلى أن ينخر العود ويمسي العظم قد رم بسم الله الرحمن الرحيم {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:١ - ٢].