للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصحبة السيئة وأثرها في ترك الصلاة]

السؤال

ما نصيحتك حتى أكون محافظاً على الصلوات، فإني أفرط في بعضها وأحافظ على البعض، ومن أهم أسباب عدم المحافظة الصحبة السيئة، فما توجيهكم حفظكم الله؟

الجواب

الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أقول: للصحبة دور كبير في معرفه نوعية الشباب، فإن الطيور على أشكالها تقع، وما ضيع كثير من الشباب إلا الشباب أنفسهم، هذا يزين لهذا وهذا يزين لذاك حتى إذا وقع أحدهم في ورطة تخلى عنه أصحابه إلا أهل الصلاح.

ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل، ما الدافع الذي يدفعنا للمحافظة على الصلوات؟ وما الذي يجعل القلوب حية حتى تستقيم على أوامر الله؟ فإن الحياة الحقيقية هي حياة القلب لا حياة الأجساد بالطعام والشراب، إذا حي القلب حيت الجوارح والأركان، وإذا مات القلب فالناس أموات في نظر الله ليسوا بأحياء.

أقول: الطيور على أشكلها تقع! سأصف لك علاجاً لكني أريدك أن تأخذ بالعلاج حتى يرفع الله عنك هذا التفريط وهذا الضياع: كثير من الناس يظن أنه على خير، وهذا لجهله وقلة معرفته بنفسه، قال لي أحد الرؤساء الذين أعمل معهم: فلان من الناس أخلاقه عالية، سلوكه وتصرفاته راقية؛ لكنه فيه عيب واحد! قلت: ما هو؟ قال: لا يصلي معنا في المسجد.

قلت: والله هذا عيب يقدح في رجولة الرجل، فإن الله سمى أهل المساجد رجالاً، أما من دونهم فتنتفي عنهم هذه الصفة عند الله جل في علاه.

التقيت هذا الذي ذكره وكنا قد خرجنا من المسجد وهو قد خرج من الصالة الرياضية مجتهداً على بدنه وعلى عضلاته؛ هكذا حال المنافقين نسأل الله العفو والعافية {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:٤].

التقيته والناس قد خرجوا من الصلاة وهو قد خرج من الصالة الرياضية، قلت: فلان! قال: نعم، قلت: أريدك في أمر هام، سلمت عليه ثم قلت: رئيسك يذكرك بالخير ويقول: فلان أخلاقه عالية وتصرفاته راقية لكن فيه عيب واحد! قال: ما هو؟! انظر بارك الله فيك كيف يحرص على أن يزيل عيوبه أمام رئيسه وفيه من العيوب أمام الله ما الله به عليم، لم يحرص يوماً على مراجعة حساباته مع ربه! قلت: يقول: إنك لا تصلي معهم في المسجد ولا تشهد الجماعة، قال: صحيح يا شيخ! أنا مقصر، قلت: لا، انتبه بارك الله فيك! كلنا نقصر لكن فرق بين التقصير وبين الضياع، أنا تفوتني تكبيرة الإحرام مرة في اليوم فأنا مقصر، أن تفوتني صلاة الفجر وأصليها بعد الفجر أنا مقصر، ألا أدرك أربعاً قبل الظهر من حين أو فترة من الفترات أنا مقصر، أن يفوتني قراءة وردي من القرآن يوماً أنا مقصر؛ لكن أن تفوتني صلاة الجماعة أو الجمعة والجماعات؟ قلت: أنت مضيع يا شيخ! أنت تعيش في ضياع وأنت لا تعلم.

وكثير على حاله وعلى شاكلته ويظن أنه على خير؛ قال الله جل في علاه: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الزخرف:٣٦ - ٣٧]، لا يصلي ولا يشهد الجمعة والجماعات ويظن أنه على خير، أي خير هذا؟! قلت: انتبه يا فلان! أنت تعيش في ضياع، التقصير كلنا نقصر ولا أحد يخلو من التقصير، لكن أنت تعيش في واد وأهل الصلاح يعيشون في واد آخر.

فراجع الحسابات واستقم في صفوف المصلين، لله در أقوام تنصحه مرة واحدة فيراجع الحسابات ويستقيم مع المستقيمين، فما جاءت الصلاة التي بعدها إلا وقد رأيته بثياب بيضاء وغترة بيضاء قد استقام في صفوف المصلين من كلمة واحدة، فإن الحر الذي تكفيه الإشارة.

فأقول أولاً: هناك حقيقة لا بد أن نعرفها: أننا لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً، وأننا لا ندري متى ننتقل من هذه الحياة الدنيا إلى الحياة الأخرى، فالموت يأتينا بغتة، فهل يرضيك يا من تفرط في الصلوات أن يأتيك الموت وأنت على حال التفريط؟

الجواب

لا، إذاً لا بد أن تسعى إلى التغيير وتسعى إلى التبديل.

سأل رجل رجلاً رجل عنده وكان مضيعاً مفرطاً في أوامر الله، فقال: يا فلان! الحال التي أنت عليها هل ترضاها للموت؟ قال: لا، قال: فهل نويت أن تغير هذه الحال إلى حال ترضاها للموت؟ قال: ما اشتاقت نفسي بعد، قال: وهل تضمن ألا يأتيك الموت وأنت على هذه الحال؟ قال: لا، قال: وهل بعد هذه الدار دار فيها معتمل؟ قال: لا، قال: والله ما رأيت عاقلاً يرضى بهذه الحال! اعمل بالنصيحة بارك الله فيك! واسمع الموعظة فقد قال الله عن المعرضين: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} [المدثر:٤٩ - ٥١].

العلاج: جاهد النفس، كما قال النبي صلى الله علية وسلم: (ألا إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة).

ما غفل من غفل ولا فرط من فرط إلا لأنه تناسى الموت الذي هو أقرب إلى أحدكم من شراك نعليه، الموت الذي ينتظر كل واحد منا، لو أيقنا بالموت ولحظاته وساعاته وأنه يأتينا بغتة لتغير حال كثير من الناس، كيف حال أولئك الذين فرطوا في ساعات احتضارهم ينادون بأعلى الصوت: رباه ارجعون، فلا يستجاب لهم؟ وحيل بينهم وبين ما يشتهون.

فاجعل لك زيارة للمقبرة من حين إلى حين تزور بها الموتى وتتذكر فيها حالهم، وتدعو لك ولهم.

سبحان الله! ما يعرف قيمة النعمة إلا من فقدها.

زر المرضى وانظر في أحوالهم، وانظر إلى من سلب نعمة السمع ونعمة البصر ونعمة القدم ونعمة اليدين، حتى تعلم أنك في خير عظيم.

رجل يعمل في أحد الأسواق حمالاً، طويل القامة مفتول العضلات، يحمل من الأثقال ما لا يستطيع أن يحمله الرجل والرجلان، قيل له: لماذا لا تصلي؟ لكنه لا يستجيب، قال: أنا على هواي، أفعل ما أشاء ولا أحد يأمرني وينهاني، اغتر بقوته وبعضلاته، يذهب الناس حين الصلاة بعد إغلاق متاجرهم إلى المسجد وهو يجلس في مكانه يأكل ويشرب.

سبحان الله! أما حمد الله على هذه النعم؟ وهل الحمد والشكر يكون بالكلام فقط، والله يمهل ولا يهمل.

سار يوماً بين المحلات وهو يحمل حملاً ثقيلاً فزلت قدمه على قشرة موز، فأصيب بشلل كامل ووضع على الفراش لا يتحرك منه إلا رأسه، يسأل: ما هي الأمنية التي تتمناها الآن؟ قال: أتمنى أن أصلي مع الجماعة! الله أكبر! أما كنت تذكر ويقال لك: صل مع المصلين وحافظ على أوامر الله مع المحافظين، فما استجبت: ((فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ)).

اعلم بارك الله فيك أنه من لم يعتبر بالآخرين سيكون لهم عبرة في يوم من الأيام؛ فزر المقابر وزر المرضى، وإذا حدثتك نفسك بالتفريط والتضييع فذكرها أن الموت قريب.

أسأل الله أن يحيي قلبي وقلوبكم وقلوب السامعين، وأن يجعلنا هداة مهدين لا ضالين ولا مضلين.