للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إنفاق الصديق وبذله للأموال في سبيل الله]

قال الله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} [الليل:١٧]، قال ابن كثير رحمه الله: أجمع المفسرون على أن هذه الآية نازلت في أبي بكر.

قال: ولا ريب أن صديق هذه الأمة التقي النقي الجواد الممدح الباذل ماله في رضا الله ورسوله داخل دخولاً أولياً في هذه الآية، فإنه قد بذل ماله لا على الضعفاء والمساكين بل على السادات والرؤساء، ويدلك على ذلك: أن عروة بن مسعود الثقفي يوم الحدييبة كان يفاوض الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا محمد! لا يغرنك هؤلاء الذين اجتمعوا حولك فإنهم عما قليل يوشك أن ينفضوا عنك -يمارس معه حرباً نفسية- فقال له أبو بكر: نحن ننفض عنه؟! امصص بظر اللات، فقال عروة: من هذا يا محمد؟ من هذا الفظ الغليظ، قال له: هذا أبو بكر، فقال عروة بن مسعود: والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لرددت عليك.

أي: لولا أنك رجل كريم ورجل باذل، وقد فعلت في معروفاً، وهذا المعروف أنا ما جزيتك به، لكنت رددت عليك هذه الكلمة بمثلها، لكنني لا أستطيع.

أبو بكر رضي الله عنه نزلت فيه هذه الآية: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل:١٨] فينفق ماله، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله ما نفعني مال مثلما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ما بقيت لأحد يد في الإسلام إلا جزيناه بها إلا أبا بكر، فإن له يداً يجزيه الله بها يوم القيامة)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)، رواه مسلم عن أبي ذر.

وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أنفق زوجين في سبيل الله نودي يوم القيامة: يا عبد الله! هذا خير ادخل من باب الجنة.

قال أبو بكر رضي الله عنه: فهل أحد يدعى من الأبواب كلها يا رسول الله؟ قال: نعم، وأنت منهم يا أبا بكر!).

{وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل:١٩] أبو بكر لما اشترى بلالاً وزنيرة وجارية بني المؤمل وفلاناً وفلاناً من الضعفاء وقال في بلال: لو أبى أمية إلا مائة لاشتريت، قال المشركون: إن لـ أبي بكر يداً عند بلال، أي: أبو بكر عمل جميلة في بلال وبلال يريد ردها، قال الله عز وجل: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ} [الليل:١٩] لا بلال ولا غيره {مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:١٩ - ٢١] أي: هو ما عمل شيئاً من أجل الناس وإنما من أجل الله، قال الله عز وجل: {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:٢١]، الله أكبر! سيرضى إذ رافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وكان معه ولم يفارقه قط في غزاة ولا هجرة ولا سفر ولا حضر، حتى قيل لـ عمر رضي الله عنه: أنت خير أم أبو بكر؟ فبكى رضي الله عنه، وقال: والله ليلة لـ أبي بكر مع رسول الله في الغار خير من عمر وآل عمر، وليتني كنت شعرة في صدر أبي بكر، أبو بكر أطيب من ريح المسك، وأنا أضل من بعير أهلي.

ثم أرضاه الله بأن يرافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في البرزخ، ثم سيرضى يوم البعث الأكبر، وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً بين أبي بكر وعمر وقال: (هكذا نبعث يوم القيامة) نسأل الله أن يحشرنا معهم.