للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تيسير الله على النبي وأمته]

قال الله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:٥ - ٦].

هذه الآيات نزلت على نبينا عليه الصلاة والسلام وهو في مكة محاصر مضطهد، وهو صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يستطيعون أن يظهروا دينهم ولا أن يجهروا بدعوتهم، ولا أن يواجهوا مخالفيهم، فالله عز وجل يعده ويقول له: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:٥ - ٦].

قال الإمام القرطبي رحمه الله: ويمكن أن تفسر هذه الآية بأن العسر ما كان في مكة من ضيق واضطهاد، فيحصل معه يسر وهو ما كان يوم الفتح حين دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش قوامه عشرة آلاف مقاتل لا يعرف أوله من آخره، فجعل الله بعد العسر يسراً.

قال: ولم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله له مكة واليمن، وهاداه ملوك هجر والبحرين، وآتاه الله عز وجل بالغنائم والأنفال حتى كان يعطي الرجل الواحد المائتين من الإبل، ويهب الهبات السنية، ويعد لأهله قوت سنة، وهذا كله في حياته صلوات الله وسلامه عليه.

وهذا المعنى فهمه الصحابة حق الفهم، فلما كان أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه في بعض الغزوات وجاء الروم بجموع كثيرة، وخاف أبو عبيدة رضي الله عنه من كثرتهم، كتب إلى عمر رضي الله عنه يشكو إليه، ويطلب دعاءه، فأجابه عمر: أما بعد: فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من ضيق وشدة يجعل الله له فرجاً، ولن يغلب عسر يسرين، وإن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:٢٠٠].

وهذا المعنى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم به في أحلك اللحظات، وأشد الحالات، ومن ذلك: عندما كان الصحابة رضي الله عنهم يعذبون في مكة جاء خباب بن الأرت فشكا إليه وقال: يا رسول الله! ألا تدعو لنا، ألا تستنصر لنا؟ قال: (فاعتدل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: والذي نفسي بيده! لقد كان يؤتى بالرجل ممن كان قبلكم فيمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يرده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون).

فينبغي أن يعلم الإنسان أنه لو كان في ضيق فإن بعد الضيق فرجاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً).

وليعلم أن الفرج من الله عز وجل آت لا محالة: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.