للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إذا زلزلت الأرض زلزالها)]

بدأ ربنا جل جلاله هذه السورة بالحديث عن واحد من أهوال يوم القيامة، يقول الله عز وجل: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:١].

هذه الجملة شرطية، أداة الشرط (إذا)، وفعل الشرط (زلزلت)، وجواب الشرط في قول الله تعالى: {تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة:٤] يعني: فصل ربنا بين فعل الشرط وجوابه بفاصل طويل، قال تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة:١ - ٤].

يقول العلامة ابن عاشور رحمه الله: والفصل بين فعل الشرط وجوابه بهذا الطول؛ من أجل التشويق لمعرفة جواب الشرط.

قال الله عز وجل: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:١] الزلزلة: على وزن فعللة، هذا البناء في كلام العرب يدل على حركة واضطراب، ومنه قولهم: قلقلة، وقولهم: رجرجة، وقولهم: بلبلة، ونحو ذلك.

قوله: ((إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ)) أي: حركت حركة عنيفة، وماجت واضطربت، وتمور الأرض موراً، هذا الهول كرره ربنا في بعض آياته، كقوله في صدر سورة الحج: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:١]، وقوله سبحانه في صدر سورة الواقعة: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [الواقعة:١ - ٥] أي: صارت الجبال كأنها بسيسة وهو الدقيق الذي يصنع بالسمن، فيتفتت بعدما ينضج بالنار، هكذا تكون الجبال، وهذا سيأتي معناه في قوله تعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} [القارعة:٥].

وقال ربنا سبحانه في سورة الحاقة: {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} [الحاقة:١٤ - ١٦].